السؤال:
في إحدى آيات القرآن ورد قول الكافرين للنبي كيف نتصدق و نعطي مالنا لمن إذا أراد الله رزقه و كفاه:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 47]
أعلم أن هذه وقاحه في الكلام مع الله، و لكن لماذا أمرنا الله بالصدقة و الزكاة والله قادر على رزق الجميع بل و جعلهم أغنياء؟
و سؤال آخر: يقال إن الله لا ينسى أحدا من مخلوقاته، و لكن عند رؤيتي لبعض الحيوانات في الشوارع يأتيني الشيطان و يوسوس لي لم لا يرزقهم الله؟! اعتذر عن وقاحة سؤالي ولكني أريد أن أرد وساوس الشيطان عني.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
التفاوت بين الناس في أرزاقهم وأفهامهم وأمزجتهم أمر ضروري لاستمرار الحياة، لأن هذا التفاوت يولد حاجة الإنسان لأخيه الإنسان فيدفعهم للتعاون فيما بينهم، فيسد كل منهم حاجة الآخر عن طريق العمل أو البيع والشراء وغير ذلك، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32]
وهذا التفاوت الذي هو جزء من النظام الذي خلق الله تعالى عليه الخلق هو أساس في الابتلاء:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 165]
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2]
فالغني مبتلى بالغنى لأنه مسؤول عن أمواله من أين اكتسبها وفيما أنفقها، كما أنه مختبر هل تصدق أم كان من الممسكين، وهل تواضع أم كان من المتكبرين.
فالأغنياء مطلوب منهم سد حاجة الفقراء ونصرة الضعفاء، وقد اعتبر أن للفقير حقا في مال الغني فقال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [المعارج: 24-25]
والفقير كذلك مختبر بالفقر، هل يصبر أم يجزع، هل يطلب المال بالحلال أم الحرام، وهكذا.
إذن التفاوت بين الناس في الرزق ضروري في إحداث التوازن المجتمعي، لأنه لو بسط الرزق لجميع الناس سيبغون في الأرض، لاستغنائهم باللهو عن العمل، ولكن الفقر والحاجة هما محركان ومحفزان للاجتهاد وإظهار الكفاءة والتفوق في السعي للخروج من الفقر إلى الاكتفاء أو الغنى، وهذا المفهوم من قوله تعالى:
﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27]
أما عن وجود الحيوانات الجائعة والمريضة وغير ذلك فهذا جزء من النظام الكوني أيضا، فكل حياة تنتهي بالموت، وبين الولادة والموت شبع وجوع وصحة ومرض، والإنسان مسؤول عن محيطه بالقدر الذي يستطيعه، فإن رأيت حيوانا جائعا فأطعمته فلك أجر، فهي بذلك تشكل بابا للخير يطرقه الإنسان القادر.
إن إحسان التصرف مع البيئة المحيطة هو مقتضى الاستخلاف الموكول للإنسان على هذه الأرض، كما أنه دليل على الإيمان، فما دام الإنسان محسنا طال بقاؤه وبقي أثره الطيب، لكنه إن أساء فالعاقبة خسران في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ، ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 14]