السؤال:
ما المقصود من قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: 159]
ولكم امتناني وشكري واحترامي
الجواب:
يؤمن كل واحد من أهل الكتاب قبل موته بعيسى أنه رسول الله. وعندما يبعث الناس يوم القيامة يشهد المسيح عليهم أنه بلغهم كتاب الله تعالى بصفته رسولا وليس إلها كما زعم النصارى وليس دعيا كما زعم اليهود.
لكي يكفر اليهود والنصارى بعيسى، يجب عليهم أن يعتقدوا أنه رسول الله ثم يكتموا هذا الاعتقاد (آل عمران 3/106). فاليوم _مثلا_ يقبل الكاثوليك أن المسيح رسول الله ثم يقولون إنه إله[1].
اليهودي أو المسيحي الذي يعرف التوراة والكتاب المقدس جيدًا سوف يفهم ويؤمن بالتأكيد أن المسيح هو رسول الله، فإن سلك طريقًا مخالفًا لاعتقاده، شهد عليه المسيح في الآخرة. وليست شهادته شهادة عيان، بل شهادة على مهمته في تبليغ الرسالة في حياته (المائدة 5/116-118).
وهناك من أرجع الضمير في (به) على الله تعالى، وليس على المسيح، لأن الآيات السابقة تتحدث عن كفرهم بالله تعالى وافترائهم على الأنبياء، لكنهم عندما يعاينون الموت وتفوت عليهم المنافع التي دفعتهم للكفر فإنهم يرجعون إلى الحق ويؤمنون بالله تعالى، لكن بعد فوات الأوان حيث لا تنفع التوبة ولا الإيمان، ومثل هذا قوله تعالى:
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ [الأنعام: 158]
﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ، آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [يونس: 51]
﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ (فرعون) الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 90-91]
﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ، وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر: 84-85]
وعلى أي حال فإنه لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على عودة المسيح إلى الدنيا قبل يوم القيامة، لأن تلك العودة لا أصل لها في كتاب الله تعالى، فالمسيح قد أدى الأمانة وتوفاه الله ورفعه إليه، وهو لا يعلم ما أحدث الناس بعده، وعندما يسأله الله تعالى إن كان قال للناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله سيظهر أنه لم يعرف هذا، فلو قدر له العودة إلى الدنيا قبل يوم القيامة لعلم هذا الحال. يقول الله تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 116-117]
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على مقالة (عقيدة نزول المسيح في آخر الزمان) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=1288
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مبادئ الدين والأخلاق للكنيسة الكاثوليكية اسطنبول 2000، فقرات 465، 858-859).