السؤال:
أنا امرأة، ولدي عبد صغير ورثته من أهلي.
أنا لست متزوجة وأخشى الوقوع في الزنا، فأرغب في الزواج من عبدي، لكنه لا يوافق، فأضطر إلى إرغامه.
هل أستطيع إجباره على الزواج مني؟
هل يمكنني القيام بالزواج المؤقت معه؟
وأخشى أنه بإطلاق سراحه سيرفض الزواج مني.
وماذا لو لم يكن له ولي ولا أهل غيري بما لي منه؟
ماذا لو كنت أرغب في الزواج منه مقابل إطلاق سراحه لكنه لا يحترم خطاب الالتزام الذي كتبته؟
وإذا كانت أختي هي التي أرادت الزواج منه برضاي بدلاً مني، فهل يشترط رضا العبد؟
أشكرك على إجابتكم لأني في محنة
الجواب:
قبل الإجابة نتساءل من أين ورثت السائلة الكريمة هذا العبد؟!
فمنذ انتهاء عصر العبودية بعد الحرب العالمية الأولى وحظر تجارة الرقيق في العالم لم يعد هناك عبيد – أي ما يقرب من قرن من الزمان – ومعنى وجود عبد في سن صغير يُطلب للزواج وبحسب قول السائلة أنها ورثته فهذا يعني أن آباءه وأجداده كانوا عبيدًا كذلك!
فما أصل عبوديته؟ هل كان أسير حرب؟ أم أنه تم شراؤه؟ أم خطفه؟
بعيدًا عن منظور الاتفاقات الدولية وحظر العبودية فإن الإسلام قد جاء ليقضي عليه ويحرر الإنسان من كافة أنواع العبودية سواء الناتجة عن الظلم كالخطف أو البيع أو الحصول عليهم من خلال الحروب والمعارك وما كان ينتج عنها من تجارة الرقيق واستغلالهم في الأعمال الشاقة والزنا والفواحش.
وقد قضى الإسلام بتعاليمه السمحة على العبودية الموروثة من عصر الجاهلية وجفف منابعها من خلال التشريعات التالية:
1_ الأمر بعتقهم في الكفارات، فقد جعلت الشريعة الإسلامية تحرير العبد شرطا في تكفير الذنب لبعض الجرائم والتجاوزات الشرعية، كالقتل الخطأ [النساء: 92] ، والظهار [المجادلة: 3] ، والحنث باليمين [المائدة: 89] .
2_ اعتبار إعتاقهم بابا من أبواب التقرب إلى الله تعالى، كما جاء في قوله سبحانه:
﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ [البلد: 11-13]
3_ جعلهم أحد مصارف الزكاة الثمانية بهدف التسريع في عتقهم:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ..﴾ التوبة (60)
4_ تشريع المكاتبة التي تسمح لهؤلاء العبيد بتحرير أنفسهم عن طريق كسبهم الذي كان يحصل عليه مالكوهم بدون وجه حق:
﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًاۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ النّور (33)
5_ قضى على استغلال الجواري في ممارسة الفواحش وذلك عن طريق النكاح الحلال بإذن الأهل والنهى عن السفاح قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ النساء (25)
ومن يقول بخلاف ذلك ممن أفتى بجواز إيتان ملك اليمين بغير نكاح فقد افترى على الله تعالى وعلى رسوله الكذب.
هذا بالنسبة للفئة التي كانت موجودة بالفعل قبل الإسلام ونزول الآيات المحكمات التي عالجت ظاهرة الرق ومنعت حصوله من جديد.
أما بعد نزول القرآن الكريم فلم يعد لهذا المسمى وجود من الأساس، وما فعلته الاتفاقات الدولية بعد الحرب العالمية الأولى لم يكن سوى عودة (غير مقصودة) إلى الفطرة وتعاليم الدين الحق الذي يحفظ كرامة الإنسان [الإسراء: 70] ومقتضى ذلك حرمة الاتجار بالبشر لأنها ضد الكرامة، أما الأسرى فقد حدد مصيرهم عند انتهاء الحرب بين خيارين لا ثالث لهما كما قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه:
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ محمد (4)
ولذلك فإن السائلة لم تخالف فقط المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحظر العبودية ولكنها خالفت أمر ربها الذي يحذرنا:
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ النساء (14).
وبالتالي فلا وجود للعبيد في عصرنا الحالي بأي شكل من الأشكال لأنهم حتى لو كانوا أسرى حرب فقد قضي الأمر فيهم ولا يحل الاحتفاظ بهم وتوارثهم إلى زماننا الحالي.
ومن هنا فإن هذا الشخص محل السؤال ليس عبدًا إلا لله رب العالمين ولا يحق توارثه ولا إجباره على فعل شيء، بل يجب إطلاق سراحه بدون مقابل وله مطلق الحرية إن شاء تزوج من السائلة الكريمة أو أختها بمحض إرادته الحرة بدون إذن أو ولاية أحد زواجًا شرعيًا بكل أركانه من الصداق والشهود والإشهار دون خطاب التزام أو ما شابه، وإن أرادت أن تعفيه من جزء من صداقها فلها ذلك:
﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةًۚ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ النساء (4).
وبالنسبة لمسألة الولاية عليه فهو لا يحتاجها إذ أن الإسلام شرع الولاية على المرأة وليس على الرجل للحفاظ على حيائها وحماية حقوقها المادية والشرعية المتعلقة بالنكاح من الاستغلال والتلاعب.
أما بالنسبة للسائلة التي تخشى الوقوع في الزنا فإنها تستطيع أن تتزوج ممن ترى في دينه الصلاح سواء أكان من هذا الشخص إن كان يريدها أو من غيره، وإن لم تجد في الوقت الحالي فعليها بالصبر والتعفف حتى يغنيها الله تعالى من فضله الذي وعد به الصابرين المتعففين:
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ النّور (33)
وختامًا: نذكر السائلة الكريمة بأنها إن اتبعت أمر ربها وصدقت بكتابه عن طريق تطبيقه فإنه سبحانه يعدها بالمخرج الحسن والرزق الكريم قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ الطلاق (3:2)
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد