السؤال:
قرأت في موقعكم الكريم أن عروج النبي إلى السماء في ليلة الإسراء لا أصل له في القرآن، فكيف تقولون ذلك وسورة النجم تذكر أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عند سدرة المنتهى؟
الجواب:
الآية المشار اليها في سؤالك هي قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ [النجم: 13-15]
والآية صريحة في أن رسولنا الكريم قد رأى جبريل على حقيقته في نزلة أخرى لجبريل، حيث رآه عند شجرة سدر ينتهي إليها النظر من الكعبة المشرفة على جبل النور، حيث إن تلك المنطقة هي الجنة التي أوى إليها آدم وحواء في الأرض. ويصدق هذا التفسير قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ [التكوير: 23]
أعلى جبل حول الكعبة هو جبل النور، حيث يقع غار حراء. وعند النظر من الكعبة فإن الأفق الأعلى هو قمة ذلك الجبل.
وبينما كان محمد (صلى الله عليه وسلم) متواجدا في غار حراء في أعلى الجبل رأى جبريل (عليه السلام) على هيئته، حيث أبلغه الوحي الأول (النجم 7-10).
إذن ليس في الآية حديث عن عروج إلى السماء بل إلى نزول إلى الأرض.
ويصدق هذا قول عائشة لما سألها مسروق عن قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] . فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ مُنْهَبِطًا قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ»[1] أي ما بين المشرق والمغرب
وعَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ قَدْ يَهْبِطُ فَمَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ عَلَيْهِ ثِيَابُ سُنْدُسٍ مُعَلَّقٌ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ»[2]
وفي رواية أخرى عنه عليه الصلاة والسلام: «ذَلِكَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا، إِلَّا مَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ، مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»[3]
وروى النسائي عن مسروق أنه سأل أم المؤمنين عائشة: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَمْ يَقُلْ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]، {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]؟ فَقَالَتْ: سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ مِنَ الْأُفُقِ عَلَى خَلْقِهِ وَهَيْئَتِهِ، أَوْ عَلَى خَلْقِهِ وَصُورَتِهِ سَادًّا مَا بَيْنَهُمَا» [4]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مسند إسحاق بن راهويه 3/ 804
[2] المصدر السابق 3/ 796
[3] مسند أحمد 43/ 133 ط الرسالة، والنسائي في “الكبرى” (11532)
[4] السنن الكبرى – النسائي – ط الرسالة 10/ 83