السؤال:
“ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء”
ما مدى صحة هذا الحديث ؟ وما هو المقصود بالفتنة هنا؟ وهل ينطق الأمر كذلك على الرجال؟ أم أن المرأة فقط هي فتنة للرجال؟
الجواب:
الحديث المشار إليه في السؤال ورد في صحيح البخاري برقم 4706 أنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :”مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ”.
والفتنة لها عدة معان في اللغة منها: الاختبار، والاختبار يكون بالخير والشر ،وليس بالشر فقط، بدليل قوله تعالى:
﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35]
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: 15]
نفهم من الآيتين السابقتين أن الفتنة تكون بالخير أيضا، ووجه الفتنة بالخير هو القيام بحقها من شكر المنعم وأداء حق الله تعالى فيها، فوجود الزوجة في حياة الرجل يتطلب منه بذل الجهد الكافي للقيام بشؤونها.
وبحسب المعنى السابق للفتنة فإن الرجل فتنة للمرأة كما هي المرأة فتنة للرجل، كما جاء في قوله تعالى:
﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً، أَتَصْبِرُونَ؟ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان: 20]
وتكون فتنة الرجل بالمرأة أشد من فتنها فيه، لما حباها الله تعالى من زينة البدن، لذا فإن الله تعالى ذكرها في بداية ما يحبه الناس من الزينة:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14]
فليس غريبا بعدئذ أن يذكر النبي أن فتنة الرجل بالمرأة تأتي على رأس ما يفتنه، لكن لفظ الضرر (أضر على الرجل) يظهر أنه من تصرف أحد رواة الحديث، ذلك أن الأحاديث تروى بالمعنى لا باللفظ، فقد يدخل في بعض الأحاديث ألفاظ لم يقلها النبي عليه السلام كلفظ الضرر هذا، لأن فتنة الرجل بالمرأة تحتمل النفع والضرر فلا وجه لقصر تلك الفتنة على الضرر دون النفع.