السؤال:
نحن أربع بنات، وأمي لديها أكثر من عشرة إخوة وأرادت أن تكتب البيت لنا بعد الممات، مع العلم أن واحدة من أخواتي لم تتزوج وأخرى مطلقة وليس لدينا معيل، فهل فعل أمي حرام؟
الجواب:
هذه المسألة من المسائل التي حدث فيها خطأ كبير في المذاهب الفقهية، وذلك عندما ورثوا الإخوة مع بنات المتوفى عند عدم وجود ذكر معهن، حتى إنهم لم يكتفوا بذلك بل أدخلوا كثيرًا من الأقارب كالأعمام والأخوال وأولادهم مع بنات المتوفى الذي لم ينجب ذكرًا، وكأنه ليس من حق بنات المتوفى استحقاق جميع مال أبيهن أو أمهن دون أخ ذكر، وكأنه عقاب من الله تعالى لمن لم ينجب الذكور أن تذهب نصف أو ثلث تركته لمن لا يستحقها لأنه أنجب الإناث فقط، وهذا على الرغم من وضوح الحكم في هذه المسألة بقوله تعالى:
﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ..﴾ النساء (12)
وقد عرف لنا سبحانه وتعالى الكلالة في آية أخرى:
﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ، إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ، وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ، وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌۘ﴾ النساء (176)
والآيات واضحة جلية في أن الإخوة لا يرثون إلا في حالة الكلالة التي بينها سبحانه بقوله: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ أي ليس له ابن أو ابنة؛ وذلك لأن كلمة (ولد) في كتاب الله تعالى تعني الفرع ذكرا كان أم أنثى، ولذلك لو ترك الميت بنتًا واحدة (ولدًا) أو أكثر فإنهن يحجبن الإخوة من الميراث مهما بلغ عددهم، تمامًا كما لو ترك الميت (ولدًا) ذكرًا، إذ لا فرق بينهما في حجب الإخوة لأن كلاهما (ولد) الميت.
ولكن مع الأسف الشديد فإن المحاكم (الشرعية) والقوانين الوضعية قد انحازت للمذاهب وغضوا الطرف عن الآيات البينات وضلوا واقتطعوا نصيبًا من ميراث البنات وأعطوه لغير مستحقيه من الإخوة أو غيرهم من أقارب المتوفى الذكور بحسب من هو أقرب إلى المتوفى من جهة الأب الذين لا يحق لهم الميراث رغم تحذيره سبحانه وتعالى لنا عقب تقسيمه الميراث في ختامه آياته: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌۘ﴾
وبناء على ذلك فإنه ليس حرامًا على الأم في هذه الحالة أن تكتب كل ما تملكه لبناتها قبل مماتها، وهي ليست آثمة؛ بل نستطيع القول بأنها عليها فعل ذلك وأنها تأثم إن لم تفعل؛ لأنها لو تركت الميراث دون أن تفعل ذلك فسوف يلجأ الإخوة إلى القضاء الذي خالف شرع الله تعالى في هذه المسألة وسوف يضيع جزءٌ كبير من حق البنات في مال أمهن الذي كتبه الله تعالى لهن.
مع ملاحظة ألا يكون لأم هؤلاء البنات أبوان (جد وجدة السائلة من ناحية أمها) فإن كان لها أبوان أو أحدهما على قيد الحياة فيجب أن تراعي حقوقهما لأن أولاد المتوفى لا يحجبون الجد والجدة.
مع التنويه:
أننا لم نقل بهذا الحكم مراعاة لأحوال البنات الاتي ذكرتهن السائلة الكريمة من وجود بنت مطلقة أو أخرى لم تتزوج أو لأنهن بغير معيل وإنما لأن :﴿ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ ولذلك فإن هذا الحكم ينطبق على كل أب أو أم لم ينجب ذكرًا وترك بنتًا أو أكثر بأن يضمن حق بناته سواء كن في حاجة للمال أو غير محتاجات، فحكم الله تعالى ينفذ بصرف النظر عن الغنى والفقر، وقد أمرنا جَلَّ في عُلاه:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ النساء (58)
وهذا حكم عام لكل مسلم يعيش في بلد لا يحكم بشرع الله تعالى وخاصة الحقوق المادية المتعلقة بالغير ومنها الميراث أن ينتبهوا إلى هذه المسألة ويأخذوا الضمانات الكافية لوصول الحق لأصحابه؛ حيث إن قوانين البلاد مختلفة في توزيع الميراث وخاصة البلاد غير الإسلامية، فعلى سبيل المثال هناك قوانين لا تورث سوى الزوجين في حالة وفاة أحدهما وتحرم بقية الورثة ولذا وجب على المقيمين في تلك البلدان أن يجد لنفسه المخرج لضمان حقوق جميع ورثته، وكذلك على الوارثين أن يقسموا تركتهم حسب شرع الله تعالى ووصيته.
كما ننصح الأم بألا تعطي بناتها المال كله بشكل عاجل وأن تكتبه بعقود مؤجلة أو أي وسيلة أخرى تضمن بها حق البنات وفي الوقت نفسه تضمن حق تصرفها في مالها قبل وفاتها، فلربما احتاجت منه لنفقتها أو مرضها أو شيخوختها:
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ لقمان (34)
كما نوصيها بوصية الله تعالى الذي أمر بالعدل كما أمر بالإحسان إلى ذوي القربى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ..﴾ النحل (90)
فإذا وجدت أم السائلة أخا أو أختا من أخواتها محتاجا إلى مساعدة فلتبادر بما تستطيع مصداقًا لقوله تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ، قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ البقرة (215).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد
