السؤال
لدي سؤال حاولت أن أبحث عن إجابة شافية له و لكن لم أتوصل إليها، فأرجو أن تساعدوني.
من المعروف أن العقل هو مناط التكليف، ومن المعروف أيضا أن البلوغ هو بداية التكليف والحساب، ولكن البلوغ جنسيا لا يعني أن الشخص لديه القدرة العقلية على فهم الأوامر الشرعية والالتزام بشكل كاف خاصة وأن الدماغ يظل في طور النمو حتي بداية العشرينات.
الإشكال الذي لدي يتعلق بشكل أساسي بتطبيق الحدود. طبقا لما أعرفه فإن كل من بلغ يُطبق عليه الحد في حال ارتكب ما يوجبه، ولكن هناك فتيات مثلا يبلغن في الثامنة أو التاسعة وقطعا قدراتهن العقلية لا تساوي من بلغت في الثالثة عشرة مثلا، ومن السهل التأثير عليهن من قبل أصدقاء السوء أو تعرضهن للاستغلال الجنسي من قبل المنحرفين (وتوجد هناك الكثير من القصص المشابهة في الصحافة)، فكيف يتم تطبيق الحدود التي تؤدي إلى إعاقة دائمة مثل قطع اليد عليهن في السرقة رغم قلة العقل في حين لا يتم تطبيق الحد على من هو في الرابعة عشر مثلا لكن لم يبلغ مع كون قدراته العقلية أعلى؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
إن بحث السائل الكريم في المسألة وحرصه وشفقته على من لم يبلغ الحلم لهو أكبر دليل على عدم إقامة الحدود على مثل هؤلاء الأطفال! وذلك أنه مهما بلغ من شفقته ورحمته بهم فلن يكون أشد رحمة من أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين اللطيف الخبير بعباده:
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الملك (14)
ومن هنا فلن يحكم الله تعالى على أطفال بالجلد أو القتل أو قطع اليد وهم دون العاشرة لمجرد اكتمال النمو الجنسي.
فقد وضحنا في سؤال سابق أن مجرد بلوغ الحلم لا يعني تطبيق الحدود وأن هناك فرق بين بلوغ الحلم وبلوغ النكاح وبلوغ الرشد والأشُد والسعي. فيرجى الاطلاع على المقالة المتعلقة (متى تكلف الفتاة بالحجاب؟) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=8712
وكما ذكر السائل الكريم فإن العقل الإنساني يظل في طور النمو، وقد بين لنا سبحانه وتعالى أن هذا النمو يكتمل ليس فقط في العشرينات كما يظن السائل وإنما عند بلوغ الأربعين قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:
﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ…﴾ الأحقاف (15)
ولكننا في الحقيقة لا نستطيع أن نعفي الطفل البالغ من المسؤولية وإلا فسوف يتم استغلالهم في ارتكاب الجرائم تحت مسمى عدم إمكانية محاسبتهم، ولكنها تقدر بقدرها ولا يوجد فيها تعميم لحكم قاطع.
ومن هنا فإن مسألة عقاب الأطفال تقع على عاتق القاضي في حدود ما بيَّن رب العالمين في كتابه، فالأطفال بعد البلوغ أو حتى دونه عند ارتكابهم للجرائم فالقاضي يبحث في ملابسات القضية ومَن وراءها ممن استغلوا هؤلاء الأطفال في الجرائم كالسرقة أو المخدرات أو الزنا والفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويكون عقاب هؤلاء المستغلين بالجزاء الرادع لأنهم كمن يسعون في الأرض فسادًا بتخريبهم عقول وإفساد جيل بأكمله، ثم ينظر إلى الطفل مرتكب الجريمة ويعرضه على المتخصصين لبيان مدى إدراكه وقدراته العقلية – فرغم أنه طفل لكنه يوجد لدى بعضهم الاستعداد والميول للإجرام – ففي هذه الحالة ينبغي أن يكون العقاب رادعًا له كي لا يشب على الجريمة وينمو عقله على الشر والفساد.
وبالطبع فإن أكثرهم يفعلها دون كامل وعي أو إدراك، ولهذا قد يودعه القاضي إحدى دور الرعاية أو يعفو عنه حسب ما يتبن للقاضي من الأدلة والبراهين التي أمرنا بها تعالى: ﴿فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ الحجرات (6)
وقد يوجه اللوم أو العقاب في بعض الحالات إلى الآباء الذين تركوا أبناءهم دون رعاية وتسببوا في تشريدهم وإلقائهم في الطرقات فريسة سائغة لضعاف النفوس أصحاب الجرائم.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد