السؤال:
يقول الله تعالى في سورة يوسف:
{قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِـِٔينَ. قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (يوسف 97-98).
هل تعتبر هذه الآية دليلاً على التوسل؟. على الأقل بالأحياء كما يقول السنة؟
الجواب:
علينا أولا أن نفرق بين التوسل وطلب الاستغفار
قال الجوهري في صحاحه :”الوسيلة : ما يتقرب به إلى الغير . والجمع : الوسيل والوسائل، والتوسل واحد، وَسَّلَ فلان إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل”.
فالتوسل اتخاذ شيء ما وسيلةً وواسطةً، والوسيلة والواسطة ما يُقرِّب شيئا من آخر.
والتوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة مشروع ومطلوب ومنه قوله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35]
يقول الطبري: “{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي اطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه”.[1]
وذكر ابن كثير في قوله: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} . عن ابن عباس: أي القربة. وكذا قال مجاهد وعطاء وأبو وائل، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسدي، وابن زيد.
وكذلك في قوله تعالى:
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57]
وقوله تعالى {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}. أي: يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته[2].
وقال ابن تيمية في بيان المراد من لفظ الوسيلة في القرآن: (الوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه ، هي ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات). [3]
أما التوسل إلى الله تعالى بشخص النبي أو غيره من الأحياء أو الأموات فهو شرك، لأن المتوسل يعتقد بأن المتوسل به يشكل واسطة بينه وبين ربه، وهذا شرك بين، ذلك أن الله تعالى يبين في القرآن الكريم مدى قربه من عباده وأنه يستجيب لمن يدعوه دون الحاجة إلى الواسطة:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16]
فإذا كان الله تعالى أقربَ إلينا من حبل الوريد، فأيُّ موضع بقي لهؤلاء الوسطاء المتوسل بهم ليُقحموا فيه أنفسهم فيقفوا بين الله تعالى وبين عباده؟
أما طلب الاستغفار من شخص ما فليس من باب التوسل وإنما من باب السعي في التخلص من وزر الذنب، فدعاء المسلم لنفسه ولغيره مشروع ومثله الاستغفار.
والاستغفار هو طلب المغفرة، إن ندم المرء على ما اقترفه من ذنوب، وعقده العزمَ على عدم الرجوع إليها أبدا هي شروط التوبة. والآية التي ذكرها السائل الكريم إنما هي في التوبة والاستغفار، فكانوا إذا أخطأوا فعصَوا الله أتوا إلى أبيهم النبي ليستغفر لهم الله تعالى، ففعلهم هذا يقتضي صدورَ الندم منهم، وهو التوبة، وكذا طلبهم صفحَ الله عنهم هو الاستغفار. وطلب النبي العفوَ من الله هو استغفارُه لهم.
ومعلوم أن المؤمن يدعو للمؤمن ويستغفر الله تعالى له، وهذا من باب المحبة والولاء بين المؤمنين ، قال الله تعالى بلسان نوح عليه السلام:
﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: 28]
﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]
إن طلب الدعاء أو الاستغفار من شخص لا يستلزم الاعتقاد بأنه واسطة بين العبد وربه بخلاف التوسل الذي يعتقد المتوسل إن للمتوسل به مكانة وسطا بينه وبين ربه.
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على كتاب أ.د عبد العزيز بايندر (التوسل والشرك في ضوء القرآن الكريم) من الرابط التالي https://www.hablullah.com/wp-content/uploads/2020/02/book-04.pdf
أو الاطلاع على موضوعات الكتاب المنشورة على موقعنا مجزئة من الرابط التالي https://www.hablullah.com/?cat=20
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تفسير ابن جرير الطبري [10/ 290].
[2] تفسير ابن سعدي ( 1/ 460)
[3] مجموع الفتاوى (1/199-200 ).
