السؤال:
هل توجد آيات في القرآن الكريم تتحدث عن المعاقين منذ الولادة؟ وهل يمكن أن تكون لهم أحكام خاصة؟
الجواب:
لا توجد آية في القرآن الكريم تتحدث بشكل مباشر عن المعاقين منذ الولادة. ولكن عندما نتأمل الآيات التالية نجد أنها تشير إلى أن بعض الناس يواجهون بعض المعوقات الجسدية كنوع من الاختبار لهم والتي تمنعهم من القيام ببعض الأعمال التي يُكلف بها غيرهم من الأصحاء:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155-157]
إن النقص في الأنفس يدخل في معناه المرض والإعاقة كما يدخل في معناه الموت.
ولكن الآية التالية لم تعتبر الإعاقة الأصلية أو الطارئة عيبا حقيقيا، لأن العيب الحقيقي _كما تقرره الآيات_ هو الامتناع عن رؤية أو سماع الحقيقة ليس بسبب فقدان حاسة البصر أو السمع بل لأن المكلف قد غض الطرف عمدا تجاه الحقيقة:
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]
لقد اعتبرت الآية أن العمى الحقيقي والمعيب هو التعامي عن رؤية الحقيقة وكذلك صم الآذان عنها، وقد ضرب الله تعالى مثلا لهؤلاء بقوم نوح الذي اشتكى إلى الله تعالى تعاميهم عن رؤية الحق وإصرارهم على عدم الاستماع إليه:
﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح: 7]
لم تغفل الآيات حقيقة كون المعاقين جسديا لا يمكنهم القيام ببعض المهام التي يكلف بها الأصحاء فجعلت لهم تخفيفات وإعفاءات كثيرة، فلم تكلفهم بما ليس في وسعهم فعله، ومن ذلك قوله تعالى في الآيات التالية:
﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور: 61]
﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفتح: 17]
﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91]
إن رفع الحرج عن أصحاب الإعاقات مقيد بما لا يمكنهم القيام به، لكن هذا لا يعفيهم من القيام بما يستطيعونه من التكاليف الشرعية، وقد ذكرت الآية 91 من سورة التوبة اشتراط النصح لله ولرسوله لرفع الحرج عنهم، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ الحق وتعليم الناس الخير وغيرها مما لا يلزمه أن يكون المرء سويا في بنيته الجسدية.