السؤال:
ما هو السبب الرئيسي لعدم السماح لغير المسلمين بدخول الأراضي المقدسة مثل مكة والمدينة؟ وهل يجوز إبعاد الآخرين عن الأماكن والأراضي التي تعتبر “بيت الله” لمجرد أنهم ليسوا مسلمين؟ فهل يوجد أمر بذلك في القرآن الكريم؟
الجواب:
الذين منعهم الله تعالى من دخول مكة هم المشركون الذين أخرجوا نبينا والمسلمين من مكة، ولكن عندما فُصلت الآية عن سياقها وما يتعلق بها من الآيات المتشابهات، تم التوصل إلى استنتاجات خاطئة. أحد هذه الأخطاء هو الادعاء بأنه لن يسمح لغير المسلمين بدخول مكة والمدينة.
والآية التي تمنع دخول المشركين إلى مكة هي قوله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 28]
وكلمة “الْمُشْرِكُونَ” في الآية هم المشركون المحددون في أول سورة التوبة. حيث استحقوا عقوبة تعادل الجريمة التي ارتكبوها، حيث قال تعالى:
﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ [البقرة: 191]
عندما همَّ المشركون لإجبار نبينا الكريم وصحابته على مغادرة مكة، تم تحذيرهم بالتحذير التالي:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا. سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: 76-77]
فإخراج النبي والمؤمنين من مكة سيقابل بإخراجهم منها عقوبة لهم من جنس عملهم.
وبعد فتح مكة، لم يتم المساس بالمشركين الذين نقضوا الاتفاق الذي عقدوه مع المسلمين لمدة 15 شهرًا؛ ولكن بعد ذلك تم الإعلان عن منحهم 4 أشهر إضافية لمغادرة مكة، وإلا فسوف يقتلون حيث وجدوا. والآيات ذات الصلة هي:
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ.
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 1-6]
ليس هناك حظر على المشركين الذين لم يخالفوا العهد. لكن من خالف الاتفاق لن يتمكن من دخول مكة، ولو مؤقتا. ومن الواضح أن هذا سيؤثر على اقتصاد مكة. والآية التي منعت أولئك المشركين من دخول مكة لفتت الانتباه إلى هذا الجانب من الحادثة:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 28]
وكما هو واضح فإن منع دخول مكة يتعلق بمن أخرجوا نبينا والمسلمين من مكة ثم نقضوا الاتفاق الذي تم التوصل إليه فيما بعد في الحديبية. إلا إنه تم انتزاع الآية من سياقها وقطعها عن متعلقاتها (مشابهاتها) عبر التاريخ، ونتج عن ذلك سحب العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين إلى الوجهة الخاطئة في كل مجال.
على سبيل المثال، ينقل عن الإمام مالك أنه قال: يحرم على غير المسلمين دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد. ووفقا للإمام الشافعي، فإن غير المسلمين ممنوعون بشكل خاص من دخول المسجد الحرام، ولذلك إذا كان رئيس الدولة الإسلامية في مكة وجاء مبعوث من المشركين، فيجب على رئيس الدولة أن يستقبله ويجتمع به خارج منطقة الحرم. ولكن وفقا لأبي حنيفة، يُحظر على غير المسلمين أداء الحج والعمرة في مكة، لقوله تعالى «فلا يقربوا المسجد الحرام». يعني: لا ينبغي لهم أن يأتوا الحج والعمرة، بمعنى آخر، لا يجوز لهم دخول الحرم أثناء الحج، أو أداء مناسك الحج مع المسلمين في مكة وعرفات ومزدلفة وغيرها. ولذلك يجوز دخولهم في المساجد الأخرى وفي غير الأمور المتعلقة بالحج[1].
الآيات الأساسية المتعلقة بعلاقة المسلمين بغير المسلمين هي كما يلي:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8-9]
إذا لم يجتاز غير المسلمين إحدى الخطوط الحمراء التالية فيمكن الحفاظ على علاقات السلم معهم والإحسان إليهم:
1_ أن يقاتلوا المسلمين في دينهم
2_ أن يُخرجوا المسلمين من ديارهم
3_ أن يساندوا من يخرج المسلمين من ديارهم.
*وللمزيد حول الموضوع يمكنكم الاطلاع على المقالات والفتاوى المتعلقة كما يلي:
دخول الكتابيين مكة والمدينة https://www.hablullah.com/?p=1352
التعامل مع المخالفين في الدين وفقا للميزان https://www.hablullah.com/?p=2765
قتال المشركين https://www.hablullah.com/?p=1416
التسامح و التحمل (التعايش) https://www.hablullah.com/?p=1735
هل الإسلام دين حرب؟ https://www.hablullah.com/?p=2194
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: المليلي محمد حمدي يازر، “الدين الحق لغة القرآن”، تفسير الآية 28 من سورة التوبة.