السؤال:
لماذا استخدم لفظ البعل في سورة النور في آيات إخفاء زينة المرأة؟ وما المقصود به في السورة، وهل لفظ البعل هو السيد؟
الجواب:
إن القرآن الكريم قد ذكر في العلاقة بين الزوجين ألفاظًا عديدة من بينها (الزوج والبعل والسيد) وكل لفظ يختلف عن الآخر معنى واستخدامًا، فلفظ الزوج يشمل كلا الزوجين (الذكر والأنثى) ولا يقتصر معناه على النكاح وإنما يطلق على من كان بينهم مماثلة كقوله تعالى:
﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً﴾ الواقعة (7)
أما لفظ البعل فيختص بالرجل المتزوج المسؤول عن زوجه، وهو لم يذكر فقط في آيات إخفاء الزينة كما تظن السائلة:
﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..﴾ النّور (31)
وإنما جاء في كل الآيات التي تحدثت عن العلاقة الزوجية القائمة، مثل قوله تعالى:
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا..﴾ النساء (128)
وقوله تعالى على لسان زوج الخليل إبراهيم:
﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا، إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ هود (72)
وهناك فرق في الخطاب بين البعل وبين الزوج حيث يتضح من خلال تلاوتنا لهاتين الآيتين:
قوله تعالى:
﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ البقرة (228)
وقوله تعالى:
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة (232)
فكلتا الآيتين تتحدثان عن الطلاق، ولكن الآية الأولى ذكرت لفظ (بعولتهن) لأن العدة لم تنقضِ بعد، ولذلك فالزوجية ما زالت قائمة، فبعل المرأة مسؤول عن عدم إخراجها من البيت حيث تلزمه النفقة عليها ورعايتها ليظل باب العودة مفتوحًا كما بيَّن تَعَالَىٰ:
﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ الطلاق (1)
أما الآية الثانية فتشير إلى أن عدة المرأة قد انقضت ولهذا جاء اللفظ (أزواجهن) فإن رغبت المرأة في العودة إليه فيكون بعقد ومهر جديدين، لأنه لم يعد بعلها بعد انقضاء العدة، وإنما زوج جديد إن شاءت تزوجته وإن لم تشأ فهو رجل غريب كأي خاطب متقدم لها.
ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ..﴾ المجادلة (1)
فجاء لفظ (زوجها) ولم يأتِ (بعلها) لأن الزوجية قد توقفت بظهار الزوج، ولا يستطيع إقامتها من جديد إلا بالكفارة.
هذا بالنسبة لمجيء لفظ البعل في آيات النكاح، أما بالنسبة لإعطاء البعل صفة (السيد) فلم يأت في القرآن الكريم بهذا المعنى مطلقًا حيث أن لفظ (السيد) ليس غريبًا عنه كما جاء في قوله تعالى:
﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ..﴾ يوسف (25)
ومجيء كلمة (سيدها) هنا لم يكن لمنح الزوج/البعل صفة السيادة، بل لأن زوجها لم يكن مجرد زوج أو بعل، وإنما كان وزيرًا أو عزيزًا لمصر، ومثل هؤلاء لا يتجردون من ألقابهم الملكية حتى في بيوتهم بين أزواجهم وأهليهم وأولادهم وخدمهم وحاشيتهم؛ ولذا جاء لفظ (سيدها) مناسبًا للحادثة أكثر لفظ (بعلها) وهذا من بلاغة القرآن[1].
ومن هنا فإن كلمة البعل ليست بمعنى السيد، ولو أرادها الله تعالى بهذا المعنى لقال في آيات النكاح (أسيادهن) بدلًا من (بعولتهن).
وهنا ملمح تجدر الإشارة إليه:
كلمة (السيد) لا تعبر عن معنى سيء، وهي كما تعني السيادة في منصب أو رتبة كذلك تعني التوقير والاحترام للكبير أو عند الحديث مع الآخرين بأسلوب مهذب، وهي تكتب في مقدمة الخطابات الرسمية للرجل والمرأة على حد سواء عند خانة الاسم بـــــــ السيد/ة.
وهي كلمة دارجة الاستعمال في العربية، حيث تستعمل في الخطب والاجتماعات فيبدأ المتكلم بعبارة (سيداتي سادتي)، وكذلك تستخدم عند ذكر بعض الأنبياء أو أقاربهم، كقولنا السيد المسيح والسيدة مريم العذراء، وكذلك تطلق على أزواج الأنبياء عند التحدث عنهن فنقول السيدة خديجة أو عائشة أو غيرهما من أزواج النبي الخاتم، احترامًا وتقديرا لمكانة المذكور.
ويستخدم اللفظ في اللغات الأخرى أيضا، فيقال في الإنجليزية مثلا Mr. Mrs بمعنى السيد والسيدة، وفي التركية كلمة (أفندم) بذات المعنى والتي يستعملها كثير من العرب.
وفي اللهجات العامية، يقول الأحفاد لأجدادهم في القرى والريف (سيدي وستي) كنوع من الاحترام والتوقير.
وتأتي السيد بمعني أصحاب الرأي والفكر والنفوذ كما جاء في الآية التالية:
﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ الأحزاب (67)
وقد يسود الإنسان بخلقه الحميد دون منصب أو كبر سن، وقد وصف الله تعالى أحد أنبيائه الكرام بالسيد لعلمه وتقواه وحنانه الذي كان يسود بها الجميع في قوله:
﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ آل عمران (39)
ومن هنا فإن أطلقت كلمة السيد على الزوج فهو من باب احترامه أو أنه رب البيت والقوَّام على الأسرة، مع ملاحظة أنها كذلك تطلق على الزوجة أيضا، بل إنه في حقها أكثر تداولا، فكما يقال سيد البيت ورب البيت، يقال سيدة البيت وربته، وفي العامية (ست البيت) وهو لقب شهير في حق المرأة حيث يُكتب أمام خانة العمل في بعض البطاقات وجوازات السفر والأوراق الرسمية أنها (ربة بيت).
ولذا ينبغي أن نمحو تلك الأفكار المسبقة التي رسختها بعض الآراء المذهبية التي أساءت للمرأة وجعلت الرجل سيدها والمستعلي عليها وشوهت بذلك العلاقة بين الزوجين، وفي العصر الحديث استسقت/تأثرت بعض الأعمال الدرامية والكتابات الأدبية من تلك الآراء والأفكار الخبيثة الدخيلة وصورتها في أعمال تليفزيونية حيث جعلت من الرجل (سيدًا) بمعنى متجبرًا وأظهرت الحياة الزوجية كأن أساسها الخوف وجدرانها القسوة وعرشها الاستعلاء بديلًا عن آياته تعالى التي جعلها بين الأزواج من السكينة والمودة والرحمة.
وبالتالي تلك أمثلة لا يُحتذى بها ولا تُعد دليلًا على الحق؛ إذ أنها في النهاية مجرد آراء لا تعبر إلا عن أصحابها ولا تمت لدين الله تعالى بصلة، ومن هنا فلنحكم بكتاب الله تعالى على أفعال البشر وليس العكس.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر فتوى (لماذا وصف القرآن الزوج بالسيد في قوله تعالى: وألفيا سيدها على الباب) https://www.hablullah.com/?p=7615