الآراء الإسلامية التقليدية تعتبر الإسلام دينًا مختلفًا ومتمايزًا عن الديانات السابقة، بالرغم من أن القرآن يصف نفسه بأنه “كتاب يصدق الكتب السابقة ويتمم الدين”. الإسلام يعني الاستسلام لله، وهو الدين الوحيد الذي جاء به جميع الأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، ولذلك قرر القرآن الكريم الحقيقة التالية:
﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (آل عمران 3/ 19)
يتم تفسير هذه الآية القرآنية بشكل خاطئ، حيث يقال بأن الإسلام هو الدين الذي جاء به محمد خاتم النبيين، وكل الديانات الأخرى قبله كانت لها أسماء مختلفة، لذا فإن الآية السابقة لا تعترف بأي من الأديان السابقة. لكن لتفنيد هذا الرأي الخاطئ يكفي سرد الآيات التالية التي تبين أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعا:
﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة 2/ 136)
﴿أَتَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ، قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة 2/ 140)
﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ (يونس 10/ 84)
القرآن يشهد على تصديق/تأكيد الكتب السماوية السابقة:
لتجنب الالتباس في الأسماء والمفاهيم، يجب علينا أولاً إجراء التوضيح التالي:
تُشير كلمة “Torah” بالإنجليزية وكلمة “תּוֹרָה” في العبرية إلى الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، بينما تُشير كلمة “التوراة” المذكورة في القرآن إلى العهد القديم بأكمله، أو بالاسم العبري: “Tanakh = תַּנַ”ךְ”. وتُشير كلمة ” إنجيل” المذكورة في القرآن إلى ما نزل على المسيح عليه السلام من الكتاب، وهو ما يعرف بالعهد الجديد.
القرآن لا ينكر أو يتجاهل الكتب السابقة ولكنه يصدقها:
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ (يَا مُحَمَّدُ) الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ” (آل عمران 3/3)
﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ(يَا مُحَمَّدُ) وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى 42/13)
الحديث التالي يلخص ما هو الإسلام ولأي غرض أرسل النبي محمد:
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مثَلي ومثَل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وُضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين”[1]
الإنجيل مبني على التوراة (التناخ)، ويسوع يفي بالتوراة ويعلمها
علم الله تعالى نبيه المسيح كلا من التوراة والإنجيل؛ لأن المسيح أيضًا أرسله الله تعالى ليؤكد ويصدق الشريعة السابقة:
﴿قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ. قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ (آل عمران 3/ 45-48)
يُذكر المبدأ نفسه أيضًا في إنجيل متى. حيث قال المسيح عليه السلام:
“لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَبْطَلَ الشَّرِيعَةَ أَوْ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَبْطَلَهَا بَلْ لأَكْمَلَهَا. فَالْحَقُّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يَزُولُ مِنَ الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ وَلاَ يَنْقَصُ مِنْهَا حَتَّى تقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ كُلُّهَا. فَمَنْ أَهَانَ وَاحِدَاً مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا الصَّغِيرَةِ وَعَلَّمَ النَّاسَ كَذَلِكَ فَسَيُدْعَى صَغِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ هَذِهِ الْوَصَايَاِ فَسَيُدْعَى كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ” (متى 5: 17-19)
التوراة والإنجيل يطلبان من المؤمنين بهما الامتثال للقرآن:
كل الأنبياء، ما عدا النبي الأخير محمد (صلى الله عليه وسلم)، كان عليهم أن يؤمنوا بالنبي الذي سيُرسَل بعدهم ويؤيدوه. وبذلك يتم استكمال سلسلة الوحي من خلال جهود الرسل والمؤمنين بهم بسهولة:
﴿إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ، قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي، قَالُوا أَقْرَرْنَا، قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (آل عمران 3/81)
يُحذّر الله تعالى بني إسرائيل بأنه يجب عليهم الإيمان والالتزام بالكتب الإلهية التي تصدق كتابهم. وإلا فلن يفي الله تعالى بوعده بجعلهم ورثة للمكان الذي وعدهم إياه في التوراة:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ، وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ (البقرة 2/ 40-41)
عندما بعث الله تعالى النبيَّ الأخير تم تخفيف العبء الثقيل (الإصر) عن أتباعه إلى الأبد المتمثل بوجوب الإيمان بالنبي التالي، بالإضافة إلى أن القرآن يتضمن تخفيفًا في العديد من القضايا التشريعية والحياتية اليومية للمؤمنين، يقول الله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف 7/ 157)
القرآن يفي بالوعود التي وعدها الله تعالى في التوراة والإنجيل:
أولئك الذين حُظوا بالكتب الإلهية قبل القرآن لديهم إشارات واضحة فيها إلى صفات الكتاب القادم والنبي الذي سيأتي به وأفعاله. لذا كان بإمكانهم _بسهولة_ التعرف على الكتاب النهائي (القرآن) الذي يؤكد الكتب التي بين أيديهم:
﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا. وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ (الإسراء 17/ 107-109)
على سبيل المثال، الإنجيل يحتوي على قسم يظهر أن اتجاه الصلاة (القبلة) سيتغير من القدس إلى اتجاه آخر:
قالت امرأة للمسيح عليه السلام: «يا سيد، أرى أنك نبي! آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه». قال لها يسوع: «يا امرأة، صدقيني أنه تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب» (يوحنا 4: 19-21)
هذا التغيير المهم قد حدث فعلا من خلال وحي القرآن. فقد فرق الله تعالى من خلال تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بين الذين آمنوا بنبيه الخاتم ودعموه وبين الذين كذبوه وأنكروا الوحي الذي جاء به:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ. قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة 2/ 143-144)
القرآن، الوصلة (الحقلة) النهائية في سلسلة الإسلام:
القرآن هو الكتاب الإلهي النهائي الذي يكمل سلسلة الوحي لدين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى للناس جميعا، وهو الدين الذي يستند دائمًا إلى الخضوع لله والاستسلام لحكمه، ويُسمى الإسلام:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ (المائدة 3: 5)
*وللمزيد حول علاقة الكتب الإلهية بعضها ببعض ننصح بالاطلاع على المقالتين التاليتين:
موقف القرآن من الكتب السابقة https://www.hablullah.com/?p=2500
كيف يصدق القرآن الكتب السابقة بالرغم من تحريف بعض محتوياتها؟ https://www.hablullah.com/?p=7893
المصدر:
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
موقعنا باللغة الإنجليزية www.islamandquran.org
الترجمة إلى العربية: د.جمال نجم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح مسلم، كتاب الفضائل، 2287