السؤال:
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا. وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ (الإسراء 73-74)
رجعت إلى كلمة كادوا في المعاجم فكان المعنى (اقترب من الأمر ولم يفعله) .لكن قوله تعالى ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء 17/ 76] لا تؤيد المعنى اللغوي الذي اطلعت عليه لأن المشركين أخرجوا النبي من مكة، فكيف أفهم معنى الآيات ومعنى كلمة كاد خاصة.
جزاكم الله خيرا ولكم مني جزيل الشكر والاحترام
الجواب:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا. وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ (الإسراء 73-74)
كاد من أفعال المقاربة، وسميت بهذا الاسم؛ لقرب وقوع الخبر، فلو قلنا: (كادت السماء أن تمطر) لتبين أنها لم تمطر بعد، لكنها على وشك وقوع الخبر وهو اقتراب المطر، ويأتي من هذه الأفعال الماضي والمضارع فنقول كاد ويكاد، بمعنى أوشك ويوشك.
وهذه الآية من الأدلة على عدم عصمة الأنبياء من الخطأ، فالأنبياء ليسوا معصومين من الذنوب كما تؤكد عليه الآيات التالية:
(النساء 105-107، الأنفال 67-68، التوبة 43، هود 12، النمل 10-11، التحريم 1-2).
الطبيعة البشرية للنبي لا تفارقه، لذلك قد يضعف أمام الضغوط التي يواجهها، وقد يقوده اجتهاده تحت طائلة الضغط أن يهادن المشركين فيما يطلبون طمعا في تقريبهم، لكن عون الله تعالى يجعله يصمد أمام تلك الضغوط.
هذا الدعم الإلهي ليس خاصا بالأنبياء فقط وإنما للمخلصين من اتباعهم أيضا الذين يأخذون على عاتقهم تبليغ الدين للناس وتعليمهم الحكمة كما توضحه الآيات التالية:
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39]
﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: 10]
﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 103]
أما قوله تعالى:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 76]
فهي تشير إلى أن كفار مكة ضيقوا على نبينا الكريم وأصحابه حتى هم بمغادرتها بحثا عن مكان آخر لدعوته، لكنه لم يفعل انتظارا لأمر الله تعالى له بالهجرة، فهجرة النبي إلى مكة كانت بأمر منه تعالى، وليس خروجا من تلقاء نفسه هربا من ضغوط قومه. لكن هذا لا يبرئ كفار قريش من إخراج النبي وصحبه، فقد كادوا أن يخرجوه لولا أنه صبر حتى يأتيه أمر الله تعالى بالخروج.
والآية تؤكد على قانون إلهي يتمثل بإخراج القوم الذين يخرجون نبيهم من بلده جزاء بالمثل، فقد توعدت أهل مكة بتطبيق هذا القانون عليهم إن أخرجوا نبيهم من بلده أو كانوا سببا في إخراجه.
بعد الهجرة بسنتين حدثت معركة بدر، وقد انتصر المسلمون فيها بعون الله وتوفيقه، وقد كانت الفرصة سانحة أن يستكمل النبي وأصحابه ملاحقة فلول المشركين ودخولهم مكة فاتحين بحسب وعد الله إليهم بقطع دابر الكافرين [الأنفال: 7] وبحسب القانون الإلهي بأن لا يلبث القوم خلافه إلا قليلا [الإسراء: 76]
لكن هذا لم يحدث نتيجة مخالفات متعلقة بالأسرى يوم بدر، ما أخر فتح مكة إلى السنة الثامنة للهجرة.
*ولمعرفة التفاصيل المتعلقة بتلك المخالفة ننصح بالاطلاع على مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (معركة بدر والقدر) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=5206