الميراث بالتعصيب

السؤال:

عندي سؤال بخصوص المواريث، لماذا يعتبر الفقهاء أن كل قريب يدلي إلى الميت بأنثى فقرابته فاسدة، وعليه لا يستحق من الميراث شيئا إلا إذا لم يكن هناك عصبة على خلاف بينهم حيث أن بعضهم لا يورث ذوي الأرحام والمال يذهب لبيت المال.

ومثال هذا في أولاد البنت وأولاد الابن فأولاد الابن فقط يرثون جدهم وأولاد البنت لا ميراث لهم مع أن القرابة واحدة.

ومثال آخر: الميراث بالتعصيب يورث أولاد العم لكن بنات العم لا ميراث لهن مع أن القرآن لم يورث ذكرا وإلا وذكر نصيب الأنثى التي تقابله، وكذلك القرآن لم يذكر مسألة التعصيب، وقد قرأت أنهم يستندون في التعصيب إلى أن الله سبحانه ذكر أن الأخ يرث كامل تركة أخته إذا ماتت كلالة أي دون وجود أبناء ولا أب ولا أم لها، ولكنها ترث نصف تركته فقط في حالة الكلالة ولم تذكر الآية من يستحق بقية التركة فقالوا أنها تذهب إلى العصبة.

الجواب:

إن الإجابة عن كل ما يدور في خلد السائلة الكريمة تتخلص وتكمن في عبارة ذكرتها ألا وهي (لماذا يعتبر الفقهاء..) فكل التساؤلات التي طرحتها لا دليل عليها من كتاب الله تعالى وإنما هي من عند الفقهاء، لكن الآيات البينات تثبت عكس ما تبناه الاتجاه الفقهي السائد في هذه المسألة:

• بالنسبة للقول أن (كل قرابة تدلي للميت بأنثى فهي فاسدة….) ومثاله عدم توريثهم لأولاد البنات من جدهم، فالقول نفسه هو الفاسد وليست القرابة هي الفاسدة، ومن أكبر الأدلة على فسادها وبطلانها أن الله تعالى عندما فرض الميراث وأنزل آيات بينات فصلت القسمة لم يذكر نصيب الذكور إلا قليلًا كالزوج وبعض حالات الأب والأخ، أما نصيب الإناث وهن بنات المتوفى وأمه وأخواته الإناث فقد حدد نصيبهن ما بين النصف والثلثين والسدس والثلث.

أما نصيب الذكر فيكون _أغلب الحالات_ متوقفًا على نصيب الأنثى التي في مرتبته دون تحديد لنصيبه، فقال تعالى:

﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ، وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ…﴾ النساء (11)

وعلى ذلك فإن نصيب البنات والأخوات يرثه أبناؤهن في حالة وفاتهن قبل الأب أو الأخ، مثلهن مثل أبناء الذكور تمامًا، ولا فرق بينهم في كتاب الله تعالى، إذ أنهم يحلون محل أمهم ويحصلون على نصيبها غير منقوص، ومن أنقصه أو بخسه ممن استحل أموال الإناث أو حرم أبناءهن من ميراث جدهم أو جدتهم فهو من الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا وأموال الناس بالباطل فيستحق ما توعده به رب العالمين في السورة نفسها وفي السياق نفسه، حين بيَّن تعالى أنهم أول الناس حصولًا على حقوقهم بدليل قوله تعالى في الآية السابقة لآية الميراث مباشرة:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًاۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ النساء (10).

• أما بالنسبة لميراث أولاد العم وما يتبعه من مسائل التعصيب فلا أساس له في كتاب الله تعالى، ولم يأت تصريح أو تعريض أن أولاد العم يرثون بوجود بنت أو بنات أو أخت وأخوات للمتوفى إن لم يكن لهن أخ ذكر، فهذه المسألة من أكثر المسائل تدليسًا وافتراء في قضايا الميراث التي تُظلم فيها الإناث، وهذا الرأي يعود لجذور سياسية أفتى فيها بعض الفقهاء التابعين للحكام بهدف توريث الحكم لبني العباس بإلحاق أولاد عم النبي بقرابته الذين يرثونه تعصيبا لعدم وجود أبنائه أو إخوانه الذكور وسموها عصبة لتحقيق أطماعهم في السلطة؛ حيث اتخذوا الميراث وسيلة لإقحام أولاد العم ضمن أهل الميت المقربين لإثبات حقهم في الولاية والإمارة على أساس أن من يرث المال يحق له ميراث الحكم.

والدليل على بطلان الرأي السابق يتلخص في قوله تعالى:

﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ، إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ.. ۘ﴾ النساء (176)

حيث يحرم الإخوة من ميراث أخيهم إن كان له (ولد) ولفظ الولد في كل آيات المواريث يعني أولاد الميت ذكورا كانوا م أم إناثا، ولا يعني الذكر فقط؟

ولكن أكثر المذاهب طبقوا هذه القاعدة في كل المواريث ولم يطبقوها في حالة بنات المتوفى وأخواته الإناث فأدخلوا معهن ابن العم دون حق ودون دليل من كتاب الله تعالى.

ومن تعدى حدًا من حدود الله تعالى فقد استحق عقابه الذي توعده بعد آيات الميراث في قوله:

﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ النساء (14)

• أما بالنسبة لمسألة دليلهم على التعصيب بميراث الأخ كامل تركة أخته بينما الأخت ترث النصف من أخيها، فالمتدبر لآيات الميراث يجد أن نصيب إخوة المتوفى البنات يشبه إلى حد كبير إلا لم يكن مطابقًا لميراث بنات المتوفى، والسبب في توريث البنت أو الأخت النصف والبنتين أو الأختين فأكثر الثلثان، ليس كما زعموا ولكن لأن الميت له ورثة آخرون أصحاب حقوق كالأب والأم أو الزوج، فإن وجد أحد هؤلاء أو جميعهم مع البنات فيأخذن نصيبهن المحدد، وإن لم يوجد أحدهم أو جميعهم فالباقي يرد على بنات المتوفى أو أخواته، فترث البنت النصف فرضًا والباقي ردًا وكذلك البنتان ترثان الثلثين فرضًا والباقي ردًا، والحال نفسه ينطبق على الأخت/الأخوات.

ولا يرث أولاد العم ولا العم نفسه بوجود البنات أو الأخوات، ومن فعل ذلك فقد ضل ضلالًا كبيرًا، وهو ما حذر منه رب العالمين في آخر آيات سورة النساء الخاصة بالميراث لا سيما نصيب النساء المحدد من قِبله تعالى:

﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌۘ﴾ النساء (176).