السؤال:
ما الأفضل من الناحية الشرعية القصاص من القاتل عمدا أم العفو عنه؟
الجواب:
لا شك أن العفو عن القاتل بالتنازل عن القصاص إلى الدية أو عنهما معا هو أفضل وأقرب للتقوى، لكن ذلك مقيد بأن يكون العفو يؤدي إلى الإصلاح لا إلى الفساد، وهذا يعني أن العفو عن القاتل المسرف (الذي سبق له أن قتل وقد عُفي عنه) أو القاتل الذي يغلب على الظن أنه سيقوم بجرائم قتل أخرى لا يؤدي إلى الإصلاح، بل إلى فساد أعم، لهذا يكون القصاص منه أولى، قال الله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178]
العفو تخفيف من الله تعالى ورحمة، لأن فيه إحياء لنفس القاتل التي حق عليها القتل، ولأن العفو عن القاتل سيكون _في الغالب_ سببا في أن يتودد لأهل المقتول فتنقلب العداوة إلى مودة كما جاء في قوله تعالى:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]
لكن العفو لا يستوي مع كل قاتل، فهناك من القتلة من إذا عفي عنه تمادى في القتل، كأن يكون قد عُفي عنه من جريمة قتل سابقة ثم قتل مرة أخرى، فهذا لا يصلح العفو عنه، وهو المفهوم من قوله تعالى في الآية السابقة:
﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178]
يقول ابن تيمية: “إن العفو إحسان، والإحسان لا يكون إحساناً حتى يخلو من الظلم والشر والفساد؛ فإذا تضمن هذا الإحسان شراً وفساداً أو ظلماً، لم يكن إحساناً ولا عدلاً، وعلى هذا فإذا كان هذا القاتل ممن عرف بالشر والفساد فإن القصاص منه أفضل.
ويدل لما قاله ابن تيمية قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، وهل العافي عن المجرم الظالم المعتدي، المعروف بالعدوان، مُصلح؟! لا؛ لأنه إذا عفي عنه اليوم، فقد يقتل واحداً أو عشرة غداً، فمثل هذا لا ينبغي أن يُعفى عنه، وإن لم نقل بتحريم العفو، فإننا لا نقول بترجيحه”[1]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الشرح الممتع على زاد المستقنع (14/ 59)