السؤال:
تقول الآية 28 من سورة فاطر: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”. من هم العلماء المقصودون هنا؟
الجواب:
لله تعالى آيتان: الأولى مخلوقة متمثلة بكل ما خلق الله تعالى في السموات والأرض، والثانية منزلة متمثلة بالكتاب المنزل (القرآن الكريم)، وبين الكتابين توافق وانسجام يدركان بتأملهما وربط محتواهما بعضهما ببعض، وحتى يكون المرء عالما ينبغي أن يقرأ الآيتين معا وأن يهتم بتفاصيلهما، فكلما قرأ وتعمق دون فصل بينهما صار عالما بالقدر الذي حواه عقله وتوصلت إليه مداركه. يقول الله تعالى مخاطبا آدم وزوجه وإبليس بعد إخراجهم من الجنة:
﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 38-39]
اتباع الهدى الآتي من الله تعالى يحتاج إلى العلم به أولا، فكلما كان المرء عالما بالكتابين (المنزل والمخلوق) كان أكثر معرفة بعظمة الله تعالى وقدرته واستحقاقه للعبادة والتقديس والتزام أوامره واجتناب نواهيه.
إن العلم بالكتاب المنزل (القرآن) يحتاج من العبد التزام أصول تفسير الكتاب، وحين نستقرئ القرآن الكريم فإننا نجد أنّ تلك الأصول قد فُصِّلت فيه على شكل واسع. ومن ذلك ذكر المحكم والمتشابه والمثاني والتأويل، وتقسيم الآيات القرآنية إلى المحكم والمتشابه، وضرورة رد المحكم إلى المتشابه، ومراعاة أساليب القرآن في البيان والتوجيه، والنظر في ملكوت السماوات والأرض (مراعاة الفطرة)، وجمع الآيات في مجموعات وفقا لمبدأ المثاني لتمكين الوصول إلى تفصيل الله تعالى في موضوعات شتى، كما يلفت القرآن النظر إلى القدوة الحسنة من النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل الجماعي لمن أراد الوصول إلى تلك الأصول والتفاصيل المتفرعة عنها[1] فيكون المرء عالما بقدر ما فهم ووعى من آيات الله تعالى.
إن القراءة الواعية للقرآن الكريم هي التي تورث العبد الخشية لله والتعظيم لجلاله، أما القراءة السردية التي يقصد منها الختم أو الحفظ في الصدر دون وعي للحكمة والمعاني فلا تجعل من المرء عالما، وبالتالي لا تورث فيه الخشية المطلوبة، لذلك ينبغي الاهتمام بفهم الكتاب وتلمس الحكمة منه، لأن ذلك طريق التزكية والفلاح في الدنيا والآخرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقالة (الأصول في تفسير القرآن بالقرآن) https://www.hablullah.com/?p=1228