حبل الله
الأكل من الشجر المثمر بدون إذن صاحبه أو ما يعرف بحق العين

الأكل من الشجر المثمر بدون إذن صاحبه أو ما يعرف بحق العين

السؤال:

هناك مفهوم يعرف بين الناس باسم “حق العين” الذي يُعبر عن الحصول على جزء من الطعام المرئي، كالأكل من الشجر المثمر. هل تم تعريف مثل هذا الحق في المصادر الإسلامية؟ وما هو حكم أخذ وأكل طعام ليس لنا بدعوى “حق العين”؟

الجواب:

نود في البداية أن نوضح ونصحح عبارة السائل الكريم في قوله ( المصادر الإسلامية – على حد تعبيره) حيث أنه لا توجد أي مصادر للإسلام سوى المصدر الوحيد لكل أحكام الدين وبيان الحلال والحرام ألا وهو كتاب الله تعالى، فإن توافقت معه الآراء والاجتهادات فبها ونعمت وإلا فلا يعتد بها ولا تبنى عليها أحكام تحرم أو تحلل، امتثالًا لنهيه جل جلاله:

﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ النحل (116).

وإن كان هذا التعريف (حق العين) قد وجد في كتب الفقه في الرواية التي أحلت (الأكل من بستان الغير بعد أن يُنادى على صاحب البستان ثلاثًا وإن لم يجب فيحق للمارين الأكل من الثمار)! وعلى الرغم من أن الرواية تناقض نفسها قبل عرضها على كتاب الله تعالى، إذ ما فائدة النداء ثلاثُا ما دام المنادي سوف يأكل من الثمر إن لم يسمعه صاحب البستان؟! والذي لا يتوقع منه أن يكون موجودًا في بستانه طوال الوقت! وحاش النبي الكريم من التقول على ربه أو تحليل ما حرمه تعالى.

وينبغي أن نفرق بين الشجر المثمر في الطرقات والأماكن العامة التي ليست ملكًا لأحد وبين الشجر الذي يمتلكه الغير ويدخل تحت حوزته سواء أكان حوله سياج أو سور ولكل منهما حكمه.

فإن كان الثمر ملكًا لأحد وقد مر بالبستان أحد فاشتهت نفسه ومد يده ليأكل، فقد يبدو الأمر بسيطًا لكنه _في الحقيقة_ يتعارض مع تعاليم الكتاب من أكثر من وجه.

  • فهو يتعارض مع أمره جَلَّ وعلا:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ البقرة (172)

فقد اشترطت الآية الكريمة للأكل شروطًا، أولها الأكل من الطيبات، وثانيها أن يكون مما رزقنا به تعالى، وهذا فضلا عن وجوب الشكر (الذي يتمثل في الإنفاق من الرزق وهو حق المسكين) وهذه الشروط لا تنطبق على ما سمي بــ (حق العين).

إذ أن أخذ مال الغير بدون إذن منه ليس من الطيبات وليس مما رزقنا به تعالى، ذلك لأن الطيبات مشروطة بالحلال، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ البقرة (168)

فلم ينته الأمر بالأكل عند قوله (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) وإنما ينبغي أن يكون (حَلَالًا طَيِّبًا) وحذر تعالى بعدها من اتباع خطوات الشيطان الذي قد يزين لصاحبه أن هذا رزق قد ساقه الله تعالى له لمجرد أن أغصان الشجر تتدلى خارج سور البستان أو أن صاحبه لم يسمع النداء.

  • كما أنه يتعارض مع الأمر بالاستئذان في قوله تعالى:

﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ…﴾ النّور (28)

وإن جاء الأمر في دخول البيوت لكنه عام يشمل كل ممتلكات الغير سواء بيتًا أو دكانًا أو بستانًا، والشرط واضح جلي في عدم الدخول ﴿حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ ولم يقل (وإن لم تجدوا فيها أحد فادخلوها أو كلوا منها) بدعوى حق العين!

  • إن الله تعالى قد أحل للإنسان الذي لا يجد الطعام الحلال أن يأكل بعض المحرمات إن خاف على نفسه الهلاك، فيأكل منها ما يدفع عنه الهلاك:

﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ البقرة (173)

لكنه لم يحل له أن يسرق أو يعتدي على مال الغير، فما بال إباحة وحل أكل أموال الناس بالباطل لكل مارٍ حتى دون أن نكون هناك ضرورة؟! وقد قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ النساء (29).

وبالطبع يُستثنى من ذلك التحريم إن كان الشجر والثمر ملكية عامة كالحدائق العامة، فهو حلال للجميع أن يأكلوا منه دون إسراف أو إلحاق الضرر بالشجر والثمر بتقطيعه أو قطف الثمار قبل نضجها وإلقائها امتثالًا لقوله تعالى:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف (31)

مع الوضع في الاعتبار أن هذا الشجر للجميع ولا يحق لأحد أن يستأثر به وأن يستحوذ عليه وحده ويحرم منه الآخرين، لذا ينبغي أن يأخذ ما اشتهته نفسه دون حرمان الغير.

وكذلك يُستثنى من كان مريضًا وخشي على نفسه الموت أو الإغماء والهلاك ولا يستطيع الانتظار وكان مارًا ببستان ويحتاج لثمرة أو بضع حبات تسد رمقه وتحفظ نفسه ولم يجد صاحب البستان ليطلب منه الإذن بأن يأكل منها ما يسد به رمقه، انطلاقًا من عموم قوله تعالى:

﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَج﴾ النّور (61) وقوله ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِۛ وَأَحْسِنُواۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة (195)

وإن استطاع فيما بعد أن يخبر صاحبها أو يردها له فليفعل، ولا ينبغي للمؤمن أن يستسهل الحرام، بل يتقي ربه حتى لو كانت في نظره مجرد ثمرة لن تؤثر في نقصان مال صاحبها.

كما ننصح أصحاب بساتين الفاكهة والخضروات أن يضع كل منهم أمام بستانه شيئًا من ثمار البستان ويجعلها في سبيل الله تعالى للمارين، أو أن يكتب على البستان أن ما سقط خارج السور فهو حق لمن وجده حتى يسمح للمارين المحتاجين أن يأكلوا منها دون أن يتحملوا وزرًا وليعتبره جزءًا من مال الصدقة وحق الثمر الذي أمرنا به سبحانه وتعالى في قوله:

﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ، كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، وَلَا تُسْرِفُواۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأنعام (141)

هذا هو حق الثمر الذي دعا إليه رب العالمين في كتابه وليس حق العين الذي دعا إليه من لم يحكم بما أنزل الله تعالى.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.