السؤال:
أنهيت امتحانات الجامعة، لكن يوجد شرط لاستلام شهادة التخرج وهو الحصول على ما لا يقل عن شهرين تدريب عملي في أي مكان له علاقة بمجال دراستي، وللأسف في بلدي يكاد يكون مستحيلًا الحصول على مثل هذا التدريب بدون واسطة حتى بعض زملائي الذين استطاعوا الذهاب قيل لهم صراحة أنهم لا يقبلون إلا من له واسطة، وللأسف حتى الجامعة تعلم ذلك وتقول أنه لا يهمها إذا تدربت فعلًا أم لا، المهم وجود شهادة حتى لو صورية بأن الطالب حصل على تدريب، حاولت كثيرًا ولم أستطع الحصول على شيء ولا أعلم إذا كنت سأستطيع الحصول على شيء أصلًا، ولا أريد عمل شهادة صورية بسبب حرمة ذلك ولأنه تزوير، ولكن لا أعلم إذا كنت سأستطيع الحصول على الشهادة بدون فعل ذلك. فأفتونا جزاكم الله خيرا.
الجواب:
إن كان السائل الكريم يسأل عما إذا كان يجوز له تزوير تلك الشهادة فقد أجاب هو بنفسه عن السؤال حين قال أنه يعلم حرمته. فالتزوير مشتق من الزور، قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ الحج (30)
وقد وصف سبحانه عباده المؤمنين بأنهم منزهون عن شهادة الزور:
﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ الفرقان (72)
وقول الزور وشهادته ليس فقط كما يظنه الكثير من الناس بأنه يقف عند حد الشهادة الباطلة أمام القاضي، وإنما الزور هو كل قول أو فعل يخالف الحق كالتزوير والغش والتلفيق.
والحق أن الجواب عن سؤاله لا يكمن في كيف ومن أين له الحصول على تلك الشهادة، إذ أنه بالطبع يوجد أماكن أخرى في سوق العمل لهذا المجال يتصف القائمون عليه بالصلاح ويقبلون التدريب لديهم بدون واسطة أو تزوير – ولو كانوا فئة قليلة لكنهم موجودون – إذ لو كان الأمر مستحيلًا لهذه الدرجة، فلماذا التحق السائل وغيره من الطلاب بتلك الجامعة وهذا التخصص؟ وكذلك كيف عمل وتدرب كل من تخرج قبلهم وكيف سيكون حال من سيأتي بعدهم إذا كانت كل الطرق المستقيمة مسدودة أمامهم ولا يستطيع أحد مجرد التدريب إلا بالواسطة؟
ولكن الجواب يكمن في اليقين بالله تعالى وحسن الظن به سبحانه:
﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؟!
فاليقين به جل وعلا يولد التقوى ويلهم الصبر:
﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ يوسف (90)
وكلاهما (اليقين بالله والصبر) يفتح أبواب الرزق والخير من حيث لا يعلم مصداقًا لقوله:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ الطلاق (2-3)
فإن كان يقينه بربه راسخا وظنه به خيرًا وبأن وعده لعباده الصالحين حق وعدل وصدق فسوف يوجهه ذلك اليقين إلى البحث في المكان الصحيح الذي يحتاج منه مزيدًا من السعي والاجتهاد امتثالًا لأمره جَلَّ في عُلاه:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة (35)
ولا يغرنّه هؤلاء الذين ينتظرون الفرص السهلة لاقتناصها دون عمل وكد وجهد لتحقيق مكاسب دنيوية فانية فهؤلاء ذمهم الله تعالى بقوله:
﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ آل عمران (188)
إن ما يشعر به السائل الكريم هو طائف من وساوس الشيطان التي يخوف بها الناس فيعدهم بالفقر ويزين لهم المعصية:
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة (268)
وقد حذرنا تعالى من الانسياق وراءه:
﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران (175)
حتى لو فعل كثير من الناس الغش والتزوير فلا يعني نجاحهم:
﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة (100)
فالمؤمن الحق لا يلتفت إلى كثرة السالكين لطرق الزور والكذب والغش، فهؤلاء لن يغنوا عنه من الله شيئا ولن يدافعوا عنه أمام رب العالمين الذي سنأتيه كل منا فردًا، ولذلك أمر الله تعالى كل إنسان أن ينتبه إلى ما يفعل وألا يغتر بمن ضل طريق الحق:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ المائدة (105).
الباحثة: شيماء أبو زيد
