السؤال:
أبي رجل مجرم سيء العشرة قذر اللسان يسبنا بأبشع الألفاظ، لو امرأة أُمسكت بجرم الزنا ستسمع كلاما أقل قذارة مما يقوله لزوجته وابنته، كما أنه عديم النخوة والرجولة، يعلم أن ابنه يرسل صوره العارية و يستقبل صورا عارية يهدد بها بنات الناس ولم يفعل شيئا، حتى أنه لا يخاف أن يطولني أو أمي أذى جراء ذلك.
حوّل أمي إلى جثة بسبب خدمتها له، ومع ذلك لا يكف عن إهانتها، كان يلقي بتكلفة علاجها على أبيها حتى مات، وحتى أبوها هذا رغم أنه أنفق على تعليمنا و علاجنا سنوات وسنوات لم يسلم من قذارة لسانه! إن المكيف الذي لا يستطيع العيش من دونه اشتراه له جدي هذا !.
الآن أصبحت أعمل وصار همه في الحياة كيف يسرق راتبي ! الرجل يغار منا بشكل بشع، لم أر أبا في حياتي يخاف أن يتفوق عليه أولاده علميا أو ماديا، لم أر هذا في حياتي كلها شخصا بهذه القذارة. أتعرف ما هي هواية أبي في حياته؟ إهانة أمي أمام جميع الناس أو إحضاري لغرفته وسب أمي وأهلها كلهم أمامي في شريط لم ينقطع عمري كله !!.
لقد مات الأب في قلبي منذ كنت في العاشرة، كنت أرى قذارته منذ نعومة أظافري، إن أول ذكرى أتذكرها من طفولتي يوما لن أنساه، كنت في الرابعة أو الخامسة، وكان يهين جدتي أم أمي، هذا المشهد القذر محفور في ذاكرتي إلى أن أموت! وقد أصبح الأمر لا يُحتمل الآن، وقد أصبحت في الثامنة والعشرين، أكره هذا الرجل وأتمنى موته في كل دقيقة من حياتي،
لم أعد أتحمل الحياة هكذا، أي ظلم هذا! أتمني أن أرد له كل سبة أو صفعة تلقيتها ظلما منه، أريد أن أرد لأمي صحتها التي امتصها منها، أريد أن أسترد صباي وشبابي و كرامتي، أكره هذا الرجل، وأتمنى أن لا يسامحه الله حيا أو ميتا، سأترك هذا البيت مع أمي يوما (لعله قريب) لن أتحمل ذلا وفضائح وشعور الذل والخطر هذا مرة أخرى. فهل علي ذنب ؟! أشعر أني لو لم نترك الدار سيقلتني أو سأقتله !
الجواب:
قد يقصر الأب بحق أولاده، أو يتصرف معهم بقسوة، نتفهم حجم الغضب من سلوك والدك، لكن لا ينبغي كيل هكذا الكم من الشتائم والتحقير له، لأن الله تعالى أمرنا بأن نقول للناس حسنا، لا سيما الوالدين، بل أن نحسن إليهم حتى لو أساؤوا إلينا، ذلك أن الخطأ لا يعالج بخطأ مثله.
أظهري لوالدك الآيات التي توصي بالتعامل الحسن مع الأقارب. حاولي أن تشرحي مدى الأهمية التي يوليها الله ورسوله لصلة الرحم والعلاقات الإيجابية مع الناس. إذا كان يستطيع القراءة اجعليه يقرأ تلك الآيات بنفسه، وإذا كان لا يعرف فاقرئي عليه ليستمع. ومن تلك الآيات:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ [النحل: 72]
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الروم: 38]
وذكريه بقول نبينا الكريم:
«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»[1]
بالإضافة إلى ذلك ، إذا كان هناك من يحترمه من العلماء أو الأئمة أو الوجهاء فيمكنك الذهاب لزيارته بصحبته، ودعيه يشرح الوضع ويستمع للوعظ، يقول الله تعالى:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]
إذا استمر في إصراره على الخطأ ، فحاولي ألا تزعجي والدك أو تسيئي إليه، فقد حرم الله تعالى الإساءة حتى للأبوين المشركين اللذين يدعوان أولادهما إلى الشرك:
﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 15]
وبنفس الوقت لا تقطعي علاقتك بأبيك أبدًا؛ تحدثي معه باللين لعله يعود إلى الحق، واعلمي أن الله مع الصابرين، يحبهم ويؤيدهم.
ولا تنسي الدعاء لأبيك بالهداية والمغفرة، فهذا أيضا من واجبه عليك، يعلمنا الله تعالى الدعاء التالي:
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 41]
قد يُقصِّر الأب بحق زوجته وأولاده، ويأثم لذلك قطعا، ولكن تقصيره لا يعطي الحق للأبناء في عقوقه، ثم إن من مبادئ ديننا أن لا تقابل الإساءة بالإساءة لا سيما بين أفراد الأسرة الواحدة، بل مأمورون بالدفع بالتي هي أحسن، قال الله تعالى:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34-35]
والحكم في الآية عام في كل مسيئ، والدفع بالإحسان مع الأب أولى.
وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين مطلقا دون الالتفات لتقصيرهما إن حصل، قال تعالى:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23_ 24]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سنن الترمذي (5/ 709 ت شاكر)