السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله، كان موقعكم سبب راحتي وشفائي من التفكير السلبي.
سؤالي ما سبب الضجة حول موضوع الحور العين؟ ولماذا وصل أغلبية المفسرين والشيوخ وأكثرهم معرفة _مثل الشعراوي_ إلى أن الحور هن نساء خارقات الجمال لينكحهن الرجال في الجنة واستدلوا بالقرآن وأحاديث أقل ما يقال عنها مبالغ فيها.
هذا ما أفكر به، كيف بمعرفتهم وأبسط ما يحتاجونه هو قراءة القرآن بأن الله يتحدث عن المتقين وهم نساء ورجال، ويقول ﴿كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الدخان: 54] والباء تنفي أن يكون المقصود النكاح، فهل رؤيتهم لهذه الأمور الواضحة عند قراءة القرآن صعبة جدًا؟.
صراحة يكون جوابهم غير منطقي حيث يقولون بأن النساء سيكنّ أجمل من الحور وستنتفي مشاعر الغيرة من قلوبهن في الجنة، إذا كانت زوجة الرجل ستكون أجمل من الحور فلماذا سيحتاجهم إذًا وهو يملك زوجة أجمل منهن، وكيف ستعيش المرأة في الدنيا بمشاعر الغيرة قبل الجنة وهي تفكر بأن الله لا ينظر إلى مشاعرها؟ ماذا سيكون شعورها وهي تصادف تلك الآيات التي يقال أنها تفصيل لجمال الحور عند قراءتها للقرآن.
هذه أسئلتي، وصراحة الشيطان يوسوس لي بأن الحقيقة هي ما يقوله كبار الشيوخ وليس ما قلتم أنتم، وأنني أقنع نفسي بأنهن لسن نساء لكي أكون سعيدة رغم أنني وصلت للنتيجة عند قراءة القرآن وربط الكلمات ببعضها بناء على اللغة العربية، ويوسوس لي أيضا بأن الله منح الحور للرجال في الجنة كما أباح لهم التعدد والزواج بأربعة في الدنيا، كلها وساوس تحاول إدخالي في دائرة الشك مرة أخرى، رغم أنه _بالمنطق_ المتقون وأصحاب اليمين كلهم من الرجال و النساء، لكن لماذا يعجز معظم الشيوخ وأكبرهم عن الوصول إلى هذه النتيجة؟ بل بالعكس يهاجمون من يصححون المفهوم مثلكم، ولن أتحدث عن الرجال الذين يحلمون بالجنة فقط من أجل الحور، وفور قراءتهم أو سماعهم لأحد يقول العكس يبدؤون في قذفه ونعته بالمرتد وغير الدارس لعلوم الدين والتفسير، فهم يصدقون الذين درسوا وليس الذين فقط يقولون معلومات هكذا، لذا أتمنى أن أعرف كيف تصلون لتفسيراتكم وهل أنتم دارسون للشريعة والتفسير أم فقط تقولون رأيكم؟
كيف يمكنني التخلص من هذا الوسواس والتفكير، وكيف يمكنني إقناع عقلي بصحة الموضوع وأنسى التفكير فيه؟
أطلت وأتأسف، لكن لا يمكنني سؤال أحد غيركم، لأن ثقتي بكم فقط، وأرجو ألا تنسوني، وأتمنى أن تجيبوني على كل تساؤل بشكل واضح .
وجزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم وأنتظر إجابتكم.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله، نشكر السائلة الكريمة على ثقتها في موقعنا، جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه:
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ الأعراف (43)
وسوف نجيب على جميع الاستفسارات الواردة في السؤال إن شاء الله، ولكن قبل هذا نود أن نوجه للسائلة توضيحًا وسؤالًا، فأما التوضيح فقد ذكرناه من قبل فيما التعدد الذي أمر به الله تعالى فهو يصب في مصلحة النساء ورعاية اليتامى وليس تفضيلًا للرجال، وهو عبء عليهم وليس إرضاء لرغباتهم وشهواتهم.
وأما السؤال، فهو فيما يخص قولها أن الشيوخ القائلين بأن (حور عين) هن نساء خلقن للذكور في الجنة قد استدلوا على قولهم هذا بالقرآن والأحاديث، وقد بينا في الرد على مسألة الحور أن الأحاديث والروايات الواردة فيه تناقض كتابه تعالى، وقد افتريت على رسوله الكريم، أم بالنسبة للقرآن الكريم:
- فأي آياته التي تحدثت عن الجنة بشكل عام ذُكر فيها أن هناك نعيمًا خاصًا بالرجال من دون النساء؟
- وأي آيات القرآن التي تحدثت عن الحور بشكل خاص ذُكر فيها أنها خلقت من أجل علاقة الفراش للرجال؟، فهل توجد آية واحدة تحدثت عن علاقة الفراش في الجنة كما تحدثت عنها الآيات المتعلقة بالدنيا؟
هل أشير في كل آيات النعيم من قريب أو من بعيد أنه تعالى قد خلق الجنة مرتعًا لإرضاء شهوات الرجال بينما حرم منها النساء وهو الذي جعل فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من الأبرار والمتقين وأصحاب اليمين والسابقين من الناس جميعا بغض النظر عن جنسهم؟!
﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾؟!
فمن زعم أو ادعى خلاف ذلك فيأتنا ببنية من ربه، كما قال تعالى:
﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ القصص (49).
أما بالنسبة للإجابة عن التساؤلات فلنبدأ من حيث انتهت السائلة الكريمة عن سؤالها حول ما إذا كنا دراسين وعلام نعتمد في تفسيراتنا لكتاب الله تعالى.
حيث أننا في موقعنا ينقسم العمل فيه إلى قسمين، قسم الأسئلة والفتاوى، وهذا القسم لا نعتمد فيه على الرأي ويتم الإجابة فيه بناء على الأدلة الواضحة الجلية من كتاب الله تعالى، حيث لا يحق لنا الإدلاء بالرأي امتثالًا لأمره تعالى لرسوله ولمن يتصدى لمهمة الحكم بما أنزل الله من بعده:
﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ المائدة (49)
وبالطبع نقوم بالبحث والتشاور والمدارسة في كل مسألة، وذلك بالنظر إلى الآيات ذات الصلة والتطبيقات النبوية المنقولة المتفقة مع الآيات ودلالاتها، وإعمال النظر في آيات الأنفس والآفاق بوصفها كتاب الله المخلوق أيضا، ولا نغفل الاطلاع على كتب المفسرين والفقهاء واللغويين سواء القدامى أو المحدثين، وفي النهاية يكون القرار حسب الآيات البينات حتى لو خالفت المشهور من أقوال السابقين، وذلك إذعانًا منا لأن تكون كلمة تعالى هي العليا:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ المائدة (44)
فلسنا مسؤولين عنهم ولا هم يسألون عنا مصداقًا لقوله تعالى:
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ، وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ البقرة (134)
أما القسم الخاص بمقالات الرأي التي تعتمد كذلك على الأدلة، لكنها تحتمل أكثر من معنى في فهمها وتدبرها، وكثير من الآيات التي تسمح بهذا – فيما عدا ما يخص أحكام الحرام والحلال – ولا يضير اختلاف الآراء حولها لأنها تفتح للباحثين والقارئين أفاقًا جديدة حيث إن آيات الكتاب هي مصدر النور الذي لا يخفت ضياؤه ومنبع العبر والعظات الذي لا يجف أبدًا وشجرة المعرفة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، لذا فهو متسِع للجميع مع اختلاف الأقلام التي تثري العلم خاصة علم الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنضب معانيه، ففي كل مرة تستنبط منه معان جديدة كأنها المرة الأولى مصداقًا لقوله تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ لقمان (27)
وبالنسبة لتفسير وبيان وتفصيل الكتاب فقد تكفل به رب العالمين الذي قال:
﴿الٓر، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ هود (1)
وقال أيضا:
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ القيامة (19)
وما علينا سوى تدبره بجمع الآيات التي تتعلق بنفس الموضوع من خلال عمل جماعي امتثالاً لقوله تعالى:
﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ فصّلت (3)
والأهم من ذلك اتباع هذا الكتاب وجعله إماما لا تابعا:
﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الأنعام (155)
أما بالنسبة للسؤال عن دراستنا وهل نحن دارسون مثل أكثر الشيوخ الدارسين لعلوم الشريعة والفقه والتفسير.. إلخ، فيرد على ذلك بأن الدراسة في تلك الجامعات والمؤسسات الدينية ليست مقياسًا نستطيع الحكم على أصحابها أنهم عالمون محتكرون العلم والفكر والفهم، وكأن التدبر حجر لا يعلمه سواهم، وذلك بدليل أن أكثر هؤلاء الشيوخ هم أنفسهم من تقول عنهم السائلة الكريمة أن أجوبتهم حول مسألة الحور ومبرراتهم غير منطقية، وقد طرحت هي كثيرًا من التساؤلات الأكثر منطقًا – بصرف النظر عن الأدلة من كتاب الله تعالى – وسألت ما حاجة الرجال للحور ما دامت نساؤهم أصبحن أكثر جمالًا؟ إلى غير ذلك من التساؤلات المطروحة حول هذه المسألة التي تناقض العقل والمنطق قبل أن تتناقض مع كتاب الله وتنسب إليه تعالى التحيز والظلم وتسبب الظن السيء به سبحانه، وأكثرهم لا يرفضون فقط أن تكون حور العين للنساء كما هي للرجال، وإنما قد حرموا الجنة على أكثر النساء حين جعلوهن أكثر أهل النار وأنقصوهن العقل والدين افتراء على الله تعالى ورسوله..
ومع ذلك فإن العاملين في الموقع أكثرهم دارسون ومدرسون لتلك العلوم وخريجون من نفس الجامعات التي تدرس الشريعة في البلاد العربية والأجنبية، وسوف تتعجب السائلة أن منا من درس في جامعة الأزهر أو شبيهاتها من الجامعات في دول أخرى تدرس نفس الكتب والمناهج.
واختلافنا مع أكثرهم في الأحكام والفتاوى ليس نكاية في أحد منهم وليس لمجرد الاختلاف معهم بهدف إظهار ضعفهم ودحض حجتهم، وإنما من منطلق واحد، ألا وهو بيان الحق بالكتاب فيما اختلفوا فيه، كما أمرنا تعالى:
﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ النحل (64).
فنحن هنا لا نسيء إلى أحد من هؤلاء الشيوخ المخالفين لنا، ولكننا في الوقت نفسه لا نعفيهم من مسؤولية تدبر الكتاب والحكم به والاعتماد عليه في تقرير المسائل وتعليم الناس أمور دينهم، إذ أن أغلبهم مقلدون لفكر السابقين، والشيخ الشعراوي الذي ذكرته السائلة هو أحد العلماء البارزين في مجال الدعوة، وله إسهاماته التي لا تنكر في التفسير واللغة، ولكنه في الوقت نفسه كان مقلدًا للسابقين في أكثر المسائل التي اعتمدوا فيها على الظن وليس على كتابه سبحانه، وما جعله مميزًا هو كيفية تقديمه التفسير بأسلوب مبسط وفكاهي مشوق للعامة، وهو بنفسه لم يسمِّ كتابه بتفسير الشعراوي وإنما وصفها بأنها “خواطر”، وفي النهاية فنحن أمام بشر يخطئون ويصيبون.
ونحن أول هؤلاء البشر، فلا ندعي الحق المطلق، ولا نسعى لحشد المؤيدين، فكما لهم عقول فلنا عقول نفكر ونتدبر، كذلك المتلقي من السامعين والقارئين والمشاهدين لهم عقول وقلوب يفقهون بها.
وسواء طرحنا مقالات حرة تعبر عن الرأي أو أجبنا عن تساؤلات القراء ودعمنا كليهما بأدلة من كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن القارئ يستطيع أن يميز بين الصواب والخطأ، وبين ما تطمئن إليه نفسه وما يتخلله الريب، شريطة أن يكون هذا المتلقي يتصف بقدر من سلامة القلب وصفاء النية في البحث عن الحق مصداقًا لقوله تعالى:
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ ق (37)
وهؤلاء هم المؤمنون الحقيقيون المنتفعون بالذكرى:
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذاريات (55)
فإن قيل بأن الإنسان البسيط لا يستطيع أن يفرق بين الحق والباطل، فيرد على هذا القول بأن فيه مخالفة لقول رب العالمين:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ الشمس (7: 8)
فإن طهّر الإنسان قلبه وأفسح فيه مجالًا لنور الكتاب يتسلل إليه فسوف يعيه بأذن واعية ويتبع الحق ويهتدي إلى الصراط المستقيم مصداقًا لقوله تعالى:
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ المائدة (16)
كما أنه لن ينجرف وراء زخرف القول ممن تركوا اليقين واتبعوا الظنون وهم الأعداء الحقيقيون للدين لأنهم لا يسبون الدين ولا يجهرون إليه بالسوء ولكنهم يدسون السم في العسل ويقدمونه في أغلفة مزخرفة مغلفة بــ (قول الرسول) الذي لم يفترِ على ربه الكذب وهو بريء منه، وهؤلاء يصدق عليهم قوله تعالى:
﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًاۚ، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ، فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ. ……. وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ الأنعام (116)
والآية الأخيرة ترد على سؤال، هل أغلب المفسرين والشيوخ على خطأ؟ والسبب في ذلك (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ)
ولهذا فلا ينبغي للسائلة الكريمة أن تسمح لشعور الخوف والقلق أن يسيطر عليها، وألا تقبل إلا ما ينص عليه كتاب ربها أو يؤيده وهو الذي تطمئن إليه القلوب حقا:
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ النّمل (79)
لأنه مهما تعددت الآراء والمذاهب يبقى قول الله تعالى هو الفيصل:
﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ النساء (122)؟!
وما يحدث مع السائلة وغيرها من الوساوس ناتج عن كثرة الناطقين بالباطل وقلة المتبنين للحق، وهو ما حدث لرسولنا الكريم نفسه:
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ النساء (113)
فلولا فضله تعالى على رسوله لاتبع أهواء أهل الباطل:
﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ الإسراء (74)
أما من أرادت من النساء أن تصدق أنها ناقصة العقل والدين وأنها من أكثر أهل النار وأنها حتى لو دخلت الجنة فليس لها ما للرجال فلتصدق ذلك، لكن دون أن تنسبه لرب العالمين الذي لا يظلم الناس شيئًا، ولا لرسوله الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، ويؤسفنا أن نقول أنها في حال تصديقها لتلك الافتراءات فإنها بالفعل قد نقص عقلها ودينها إذ أن كمال العقل والدين لا يتأتى إلا من الإيمان والتصديق بالكتاب واليقين برب مقسط رحيم ودود.
وإن قيل كيف لنا أن يطمئن قلبنا في خضم تلك الافتراءات والظنون؟
فيجيب رب العالمين بقوله:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد (28)
وذكره تعالى ليس مجرد تمتمات باللسان وألفاظ تُعدّ على الأصابع، وإنما ذكره هو كتابه الذي من تسمك به نال الشفاء لما في صدره من الحيرة والشتات، أما الإعراض عنه ففيه الشقاء والعنت:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ طه (124)
ومن يعرض عن الذكر يصبح صيدًا سهلًا للوساوس والشك في رحمته تعالى وعدله:
﴿ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام (71)
وهذا التسليم لرب العالمين يجيب عن سؤال كيفية مواجهة التخويف وتهم الكفر والإلحاد التي يُقذف بها المخالفون لما انتشر من المعتقدات المخالفة لكتاب الله تعالى، إذ أن تسليم القلب لخالقه يزيد من قوة المؤمن ليجد نفسه صامدًا أمام التحديات راضيًا حتى بالأذى من إلقاء تهم الكفر والجهل والإلحاد، والسائلة الكريمة ليست الوحيدة التي تعاني من ذلك، وإنما هو ما يواجهه كل الذين تركوا الظنون واتبعوا الحق واليقين، وقد نبأنا العليم الخبير بذلك في قوله:
﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ آل عمران (186)
فعلينا الصبر والثبات أسوة برسولنا الكريم الذي تحمل الأذى وتهم الكذب والسحر والجنون في سبيل تبليغ دعوة الحق:
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا، وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ الأنعام (33: 34)
ولا ننسى فضل الدعاء والصبر قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا، وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ إبراهيم (12).
فالصدق مع الله والتصديق بالكتاب هو أقوى سلاح يشهره المسلم في وجه الكذب والافتراء، فهو كهف الأمان من الخوف والقلق مصداقًا لقوله تعالى:
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ… أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ، وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ، أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ الزمر (33: 37).
الباحثة: شيماء أبو زيد