حبل الله
حدود العمل بمبدأ سد الذريعة

حدود العمل بمبدأ سد الذريعة

السؤال:

ما المقصود بسد الذريعة في الفقه الإسلامي؟ وما حدود العمل بها؟ فكثيرا ما أقرأ أن كذا محرم سداُ للذريعة ولمنع حصول الحرام. فهل يعني ذلك أنني إذا فعلت شيئا وأدى دون قصد مني لحصول حرام سواء مني أو من شخص آخر يكون الفعل الذي قمت به حراما بسبب قاعدة سد الذريعة؟ أو أنه إذا كان هناك فعل ما قد يؤدي إلي حصول حرام يكون هذا الفعل محرما؟

الجواب:

سد الذريعة هو مفهوم فقهي أصولي معتبر عند المالكية خاصة، ويعني اتخاذ إجراءات أو وضع قوانين لمنع أو تجنب الأفعال التي يمكن أن تؤدي إلى الحرام أو الفساد. الفكرة الأساسية خلف سد الذريعة هي منع الأمور التي قد تبدو مباحة في الظاهر لكنها قد تفضي إلى ارتكاب المحظورات أو المفاسد.

مفهوم سد الذريعة:

  • التعريف: الذريعة هي الوسيلة التي تؤدي إلى شيء آخر، سواء كان هذا الشيء مباحاً أو حراماً. وسد الذريعة يعني منع الوسائل التي قد تؤدي إلى فعل محرم.

ويترتب على المعنى العام أن الذريعة تسد وتفتح، وتأخذ حكم المقصد أو الغاية، يقول القرافي “اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره، وتندب، وتباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج”[1]

وكان الشاطبي رحمه الله أول من قسم الذرائع باعتبار مآلها وقطعية توصيلها للحرام وعدم القطع، وما يترتب عليها من ضرر أو مفسدة إلى أربعة أقسام أكتفي بذكر الأول والثاني[2].

الأول: ما يكون أداؤه إلى المفسدة قطعًا: كحفر البئر خلف باب الدار في وسط الظلام، بحيث يقع الداخل فيه حتمًا، وشبه ذلك، فهذا ممنوع غير جائز وإذا فعله شخص يعد متعديًا بفعله، ويضمن ضمان المتعدي في الجملة: إما لتقصيره في إدراك الأمور على وجهها، أو لقصده نفس الأضرار.

الثاني: ما يكون أداؤه إلى المفسدة نادرًا: كحفر البئر بموضع لا يؤدي غالبا إلى وقوع أحد فيه، وبيع الأغذية التي غالبها ألا تضر أحدًا، وهذا مباح باق على أصله من الإذن فيه؛ لأن الشارع أناط الأحكام بغلبة المصلحة، ولم يعتبر ندور المفسدة، إذ ليس في الأشياء خير محض، ولا شر محض، ولا توجد في العادة مصلحة خالية في الجملة عن المفسدة. قال الشاطبي: ولا يعد هنا قصد القاصد إلى جلب المصلحة أو دفع المفسدة ـ مع معرفته بندور المضرة عن ذلك ـ تقصيرًا في النظر، ولا قصدًا إلى وقوع الضرر، فالعمل إذن باق على أصل المشروعية.

مثال على سد الذريعة من القرآن:

قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم ﴾ [الأنعام: 108]،

إن سب آلهة المشركين ليس محرما لذاته، بل لأنه قد يؤدي بالمشرك أن يسب الله تعالى، فقد جاء التصريح على المنع لئلا يكون سببًا في فعل الحرام.

حدود العمل بسد الذريعة:

  • النية والمقصد: إذا كان الفعل نفسه مباحاً ولكن هناك احتمال قوي أنه سيؤدي إلى الحرام، يمكن تطبيق قاعدة سد الذريعة. ومع ذلك، يجب أن يكون الاحتمال قوياً وواضحاً، وليس مجرد افتراض بعيد.
  • القصد الفعلي: إذا قام الشخص بفعل مباح دون قصد منه لارتكاب الحرام أو التسبب في حرام، فإن القاعدة لا تُطبّق هنا إلا إذا كان هناك احتمال واضح وملموس أن هذا الفعل سيؤدي إلى الحرام.

الفعل دون قصد الحرام:

إذا قمت بفعل ما بنية مباحة ولم تكن تقصد ارتكاب الحرام أو التسبب فيه، فلا يكون فعلك محرماً بناءً على قاعدة سد الذريعة إلا إذا كان هذا الفعل من الأفعال التي تُعتبر وسائل واضحة ومباشرة تؤدي إلى الحرام. بمعنى آخر، سد الذريعة لا يُطبّق على كل فعل مباح قد يؤدي إلى الحرام بصورة غير مباشرة.

وينبغي التنويه أن لا يصح توسيع العمل بقاعدة سد الذرائع لأنه سيؤدي بالضرورة إلى تحريم ما أحل الله تعالى، بل يقتصر الأمر في الأخذ بها على ما كان سيؤدي إلى الحرام قطعا مع معرفة ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الفروق ٢/ ٣٣

[2] الموافقات: ٢/ ٣٥٨ ـ ٣٦١

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.