السؤال:
قرأت في موقعكم من قبل أن ختان الإناث محرم ولا يجوز، لكن الغريب أن معظم الرجال والبعض من النساء يؤمنون بأن الختان مقياس للعفة والحفظ من الشهوات وأن عدمه هو تقليد للغرب وأن الختان سنة الرسول. فهل هذا صحيح؟ وإن كان غير صحيح فما هو الرد على هؤلاء الفئة وإقناعهم بأن الختان أمر حرام ولا يجوز؟
الجواب:
ختان الإناث لا علاقة له بمفهوم السنة؛ إذ أن السنة الحقيقية هي سنته تعالى في خلقه وتشريعه، والرسول أول الناس اتباعًا لها:
﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ الأحزاب (38)
ولم يرد في القرآن الكريم أمر بختان الإناث تصريحا ولا تلميحا، أما ختان الذكور فهو شريعة سابقة لم ينسخها القرآن وبقي العمل بها في الإسلام، جاء في التوراة (تك 17: 9 – 14):
“هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يختن منكم كل ذكر)
ولم يأت فيه ختان الإناث ولم يشر إليه من قريب أو بعيد.
فختان الإناث عادة أراد فاعلوها إعطائها الصبغة الشرعية كي يحولوها إلى عبادة وسنة ما أنزل الله بها من سلطان، والمتفكر في الروايات التي قيلت فيها يدرك أنها تناقض نفسها إذ أنهم تارة يزعمون بأنها سنة وتارة أنها مكرمة وتارة أخرى أنها عفة وطهارة، ويزعمون _في الرواية_ مرور النبي على امرأة تقوم بختان أنثى فأمرها بأن تقصر ولا تهتك!!
وعند تفنيد كل ما سبق يتضح أن هؤلاء ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِم﴾ وأن زعمهم مردود من جميع الوجوه نقلًا وعقلًا.
فقولهم بــ (مرور النبي وحديثه مع المرأة التي تقوم بعملية الختان) ينسف الرواية من البداية ولا يحتاج إلى دليل لردها؛ ذلك أن المتعارف عليه عند ختان الذكور أن الصبي يكون صغيرًا في أيامه الأولى، وربما يحتفى أهل الصبي بهذا اليوم، وكثيرًا ما يفعلونه في العلن ويراه الحضور من الرجال والنساء، إذ لا يزال الطفل رضيعًا، ولكن في حالة الإناث فإنهم يختنونهن وأعمارهن تتراوح ما بين الثامنة إلى الثانية عشرة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كانت الفتيات تختن في الطرقات على مرأى ومسمع من المارين والسائرين حتى يشاهدها النبي الكريم أثناء مروره ويقول ما ادعوه عليه؟! ﴿حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾
وأما قولهم أنها مكرمة، فأي مكرمة في حرمان الأنثى من المتعة التي أحلها الله تعالى لها؟! فهل يكرم الإنسان بتحريم ما أحل خالقه؟! وهل يضيف الختان تكريمًا بعد تكريمه تعالى لكل بني أدم؟
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ الإسراء (70)
أم أن الأنثى لا تعد من بني آدم الذين كُرموا من ربهم إلا إذا ختنوها وقضوا على فطرتها التي فطرها الله تعالى عليها؟
وأما قولهم عفة وطهارة، فأين الدليل على أن كل النساء اللائي ارتكبن الفواحش غير مختونات؟! فهل تخلو المجتمعات التي تستتر تحت مظلة الدين وعباءته من الفواحش وأكثرهم يختنون بناتهم؟! إن الواقع يقول أن السعي إلى الزنا وارتكاب الفواحش في الأعم والأغلب يبدأ به الذكر نحو الأنثى وقليل ما يحدث العكس بأن تسعى المرأة لذلك، ويعود ذلك أن هدف المرأة في الزنا غالبًا لا يكون رغبة في المتعة، وأكثر النساء اللائي انحرفن لتلك العلاقة ينحرفن إما شغفًا وحبًا لرجل أغواها فانحرفت معه في محاولة منها لإرضائه، وقد تنحرف طلبًا للمال والكسب غير المشروع، وهذا لا علاقة له إن كانت مختتنة أم لا؟ والنساء الطالبات للمتعة من تلك العلاقة أقل بكثير ممن انحرفن من أجل الحب أو المال، وهذا على عكس الرجل الذي يبحث بالدرجة الأولى في علاقاته المحرمة عن المتعة فقط، وفي سبيلها يغوي الأنثى أو يبذل لها المال من أجل الحصول على هدفه، مع العلم أن أغلب المطالبين بختان الإناث يعانون من مشكلات في الفراش مع زوجاتهم بسببه!
ولو افترضنا صحة قولهم بأن ختان الأنثى عفة والسبب في ذلك (بتر الجزء الذي يثير رغبتها في المتعة) فكيف السبيل إلى عفة وطهارة اللسان من الكذب والغيبة والخوض في أعراض الناس، هل تبتر ألسنتهم؟! بل السؤال الأهم، كيف نعف هؤلاء الرجال من الزنا والتحرش؟ كيف نحد من شهوتهم؟ فهل نقوم بإخصائهم جزئيا لضمان عدم انحرافهم كما يفعل عند ختان المرأة؟!.
أليس قولهم هذا يخالف قوله تعالى:
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ…﴾ النّور (33)
فهل العفة والطهارة مطلب أنثوي لا يمت للذكر بصلة؟ أم أن خطابه تعالى هنا موجه للنساء دون الرجال؟
﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وأما عن كيفية إقناع المخالفين والقائلين بالختان، ففي الحقيقة وبعد رد أدلتهم ودحضها فإن مهمة الإقناع بالختان تقع على عاتقهم هم؛ حيث أنهم هم المدعون – والبينة على من ادعى – امتثالًا لأمره تعالى:
﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، هَٰذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾
وليس لنا أن نفتري الكذب على الله تعالى وعلى رسوله بروايات ما أنزل بها من سلطان:
﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ يونس (69)
والحق أن أكثر الذين يفعلون ذلك مع بناتهم لا يريدون حكم الله تعالى بل يبغون حكم الجاهلية الذي حكم على البنات بالوأد وهن أحياء:
﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ التكوير (8: 9)
وكما وأد المشركون بناتهم فما زال البعض يسير على خطاهم من وأد طفولتهن وتعذيبهن ووأد حقهن في المتعة الزوجية، وحرموا عليها ما أحله الله تعالى الذي قال:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة (228)
فالسابقون حرموها الحياة ودفنوها حية، واللاحقون حرموها أن تحيا في عيشة راضية كما أرادها لها خالقها.
فأكثر هؤلاء لا ينظرون إلى المرأة بنظرة الإنسان الذي له حقوق ولا يعترفون بآدميتها حتى نحاول إقناعهم بحقوقها بالمتعة وغيرها، ويا ليتهم فعلوه دون افترائه على الله تعالى وعلى رسوله الكريم فــــــ ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾.
فالحل الأمثل مع هؤلاء فرض القوانين الصارمة والرادعة لكل من تسول له نفسه أن يمتهن كرامة ابنته ويعرضها للأذى ويحرمها مما أحله تعالى لها، فهؤلاء ينبغي أن يسألوا عن فعلتهم في الدنيا كما سيسألون عنها في الآخرة كحال كل الظالمين:
﴿وَقِفُوهُمْ، إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ الصافات (24).
الباحثة: شيماء أبو زيد