حبل الله
هل يمكن أن يتم التغيير نحو الأفضل بوسائل غير مشروعة؟

هل يمكن أن يتم التغيير نحو الأفضل بوسائل غير مشروعة؟

السؤال:

كيف لي كمسلم يريد أن يعبد الله حق عبادته، وأن يطيعه في كل أمره، وأن يلتزم بمبادئ الحق والعدل والأمانة حال الاصطدام بأعداء الأمة والعالم وكل الشهوات والأمور المضطربة التي نعانيها سياسياً واقتصادياً وغيرها؟

بمعنى آخر وبشكل أكثر وضوحا: عندما يريد أحد أن يغير العالم ويناصر الحق ويقف وقفة شجاعة مع الضعفاء يجد نفسه أمام خيارين؛ أمّا أن يستخدم بعض الأفعال غير المشروعة، مثل الكذب والتمويه والخداع والتملق الكاذب ليصل إلى مراده (ولن يتم له ذلك بدون ذلك)، أو أن يستسلم بسبب أن دينه يمنعه من هذا وذاك فتصبح المساحة فارغة لشياطين الأنس للعبث بهذا الكوكب الأزرق. هل يعفو الإسلام عن بعض الأخطاء في سبيل الغايات الكبرى؟ أتمنى الإجابة باستفاضة وشكرًا..

الجواب:

هذا السؤال يعكس تعقيدات الحياة والتحديات التي يواجهها المسلم المؤمن بالعدل والأمانة في عالم مليء بالصراعات والتحديات الأخلاقية والسياسية. هناك عدة نقاط أساسية يمكن تناولها للإجابة عن سؤالك.

مبادئ الإسلام في مواجهة الصعوبات

  1. النية الصالحة والوسيلة الصالحة: الإسلام يدعو إلى سلامة النية والعمل الصالح معاً. قال الله تعالى في القرآن الكريم: “

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌وَكُونُوا ‌مَعَ ‌الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119] 

فالصدق والأمانة هما أساس المعاملات الإسلامية، ولا يبرر الهدف النبيل استخدام وسائل غير مشروعة لتحقيقه.

  1. العدالة والتقوى: الإسلام يركز على العدالة والتقوى حتى في أصعب الظروف. قال الله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا ‌يَجْرِمَنَّكُمْ ‌شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8] 

العدالة والتقوى هما مطلبان لا يمكن التفريط فيهما، حتى مع أعداء الأمة.

  1. الأخلاق والقيم: التزام المسلم بالقيم والأخلاق الإسلامية يجب أن يكون في جميع الأوقات، فالإسلام لا يجيز استخدام الكذب أو الخداع أو التملق الكاذب كوسيلة لتحقيق الأهداف، حتى وإن كانت هذه الأهداف نبيلة، وما يلاقيه المسلم من صعوبات وتحديات بسبب دينه هو جزء من الابتلاء الذي يطلب منه النجاح فيه، قال الله تعالى:

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ ‌الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 2-3] 

التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية

  1. الصبر والتحمل: المسلم يجب أن يتحلى بالصبر والثبات على المبادئ في مواجهة التحديات. الصبر في الإسلام يعتبر من الفضائل الكبرى التي تؤدي إلى النجاة والفوز في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ ‌الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153] 

  1. العمل من داخل النظام: من الممكن العمل من داخل الأنظمة والمجتمعات لتحقيق التغيير الإيجابي والوقوف مع الضعفاء دون اللجوء إلى الأساليب المحرمة، حيث يمكن للمسلم أن يكون فاعلاً في مجتمعه ويسعى لتحقيق العدالة بطرق مشروعة، قال الله تعالى:

﴿وَقُلِ ‌اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105] 

  1. الاعتدال والحكمة: الإسلام يدعو إلى الاعتدال والحكمة في التعامل مع الأزمات والصراعات. إعطاء القدوة الحسنة والتناصح من صفات المؤمنين، قال الله تعالى:

﴿وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ‌وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ‌وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1-3] 

وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «‌الدين ‌النصيحة»[1]

والنصيحة تعني التوجيه والإرشاد بشكل يحقق المصلحة العامة والخاصة دون الإضرار بالآخرين، وتعريف النبي عليه السلام الدين بأنه النصيحة دليل على أهميتها وأنها ركن عظيم من أركان الإسلام.

أما قول السائل الكريم أن التغيير إلى الأفضل لا يتم بدون الكذب والتمويه والتملق وما شابه فهو غير صحيح ومتناقض، لأنه لا يمكن التغيير نحو الأفضل بوسائل قبيحة، فالوسيلة السيئة لا يمكن أن ينتج عنها نتيجة حسنة، ثم إن الله تعالى وعد المؤمنين الذين يجاهدون الباطل بأنه سيعينهم ويوفقهم وينصرهم بقوله:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ ‌سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69] 

﴿إِنَّا ‌لَنَنْصُرُ ‌رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51] 

هذا هو وعد الله الذي ينبغي للمؤمن أن يثق فيه:

﴿وَعْدَ اللَّهِ ‌لَا ‌يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6] 

الخلاصة

– الإسلام لا يجيز استخدام الوسائل غير المشروعة لتحقيق الأهداف النبيلة. والذي يجب على المسلم أن يلتزم بمبادئ الحق والعدل والأمانة حتى في أصعب الظروف.

– النية الصالحة وحدها لا تكفي إذا كانت الوسيلة غير مشروعة.

– يمكن للمسلم أن يسعى لتغيير الأخطاء السائدة بطرق مشروعة ويكون نموذجاً يحتذى به في الصدق والأمانة والعدالة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] صحيح مسلم (1/ 74 ت عبد الباقي)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.