حبل الله
مناقشة مستفيضة في مسألة ضرب الزوجة

مناقشة مستفيضة في مسألة ضرب الزوجة

السؤال:

سؤالي عن تعدد الآراء في ضرب الزوجة (واضربوهن)

أرجو قراءة سؤالي بتمعن وعدم الإجابة بشكل متسرع بل المناقشة والتحاور في موقعكم المبجل أولا، نظرًا لحساسية القضية لي ولغيري من ناحية، ولأنني بالفعل قمت بقراءة آراء على موقعكم وغير موقعكم وبحثت طويلا.

هناك من قال أن الضرب بمعنى المباعدة، وكنت قد اقتنعت، ولكني وجدت من قال أنه بحث ووجد تكلف هذا المعنى لغويا وأن ليس له أصل في لسان العرب وأن الضرب هنا فيزيائي ولكن ليس تكسير عظام.. إلخ مما نعرف من هذا الرأي التراثي غير المقنع لي لعدة أسباب.

هذا الباحث قال لي أيضا أن النشوز هو عكس صفات ما قبل الكلمة، أي أنهن غير حافظات للغيب وغير صالحات قانتات، وليس له معنى آخر حسب السياق (حسب فهمه الذي يتبناه بشدة) وبالتالي الضرب من الزوج أو الأب أو القاضي، أما (واضربوهن) بمعنى واضربوا عنهن أي بالمباعدة فلكان قالها الله هكذا.

كان لدي عدة إشكالات منطقية وفطرية في مواجهة هذه الحجة اللغوية لديه، ولم أستطع الاقتناع بمحاولاته تكييف المنطق والفطرة مع رأيه اللغوي وهي التالي:

الآية تتحدث عن الخوف من النشوز وليس النشوز بداية فكيف يكون هناك ضرب جسدي؟

النشوز بذلك اختلفت معانيه بين التعالي أو عدم الطاعة أو عدم حفظ الغيبة، أي كونها امرأة لعوب وبذلك تعددت المعاني لكل شخص منهم، ولكن هل المرأة اللعوب التي تُدخل غرباء بيت الزوجية سيأتي معها الضرب مبرحا أو غير مبرح؟ هذا الصنف بداية يتسم بالجرأة والعناد، فهل الضرب هنا سيرجعها عن أفعالها وتصبح في مودة ورحمة ووفاق في حياتها الزوجية كما وصفها الله تعالى؟ كيف سيحدث ذلك بعد الضرب؟ وكيف يكون الإكراه بالضرب علاجًا لهذا الصنف من النساء؟ أم هو فقط إكراه لها على شيء لا تقتنع به وطاعة وقتها نتيجة الخوف من الضرب في غياب تام للمعروف والمودة والرحمة؟

إذا كان الضرب غير مبرح كما اتفق العلماء فهذا غير منطقي أكثر، لأنه ماذا يفيد ضرب غير مبرح مع امرأة جريئة مثل الفهم أعلاه أو حتى مع امرأة جيدة؟ هل هن أطفال أن يعاملن كأطفال أم هن في مدرسة أم ماذا؟ الضرب غير المبرح هو أضحوكة لأنه ليس به إيذاء بل به سخرية من الضارب ولأن وسائل التعبير عن الغضب كثيرة دون الرجوع لهذا الضرب غير المبرح المضحك.

وكيف بعد ذلك يقول الله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ ‌شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: 35] ؟ فالشقاق معناه الاختلاف الشديد الذي قد يؤدي للطلاق ومعناه أن كل شخص متمسك برأيه، وهنا الله عز وجل لم يجعل الزوجة خادمة لزوجها ترضخ لرأيه بل قال بالتحكيم.

فكيف يؤمر التحكيم في هذا الخلاف الشديد أما الخلاف الأقل شدة يكون فيه ضرب، أي محاولات السيطرة على الآخر بوسيلة عنف؟

والأشد من ذلك آيات الملاعنة والزنا والفاحشة من النساء ففي الزنا لا يضرب الزوج بل يأتي ب ٤ شهود ويذهب للقاضي وهو الذي يحاكمها.

وإن لم يستطع ب ٤ شهود فأيضا لا يضرب ولكن يذهب للقاضي وتحدث ملاعنة دون ضرب القاضي للزوجة.

وإذا حدثت الفاحشة بشكل شاذ لا يتم ضرب السيدة أو الزوجة بل الإمساك في البيوت عكس الرجال جاء بكلمة (فآذوهما)، وهنا الإيذاء جسدي أو معنوي بالسجن أو الاستهجان أو غرامة أو أي شيء يؤذيه.

يعني المرأة لم يتم ضربها في أشد الذنوب، والرجل يمكن ضربه بحسب حكم القاضي وقتها ولكن بمجرد الخوف من نشوزها يتم ضربها كإحدى الوسائل؟

وكيف لي أن أفهم ﴿‌فَإِمْسَاكٌ ‌بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]  تلك الآية الجميلة، أين المعروف إذا حدث الضرب؟ أين الإحسان؟ فإذا كان الإحسان حتى في التسريح الذي قد يكون بسبب نشوزها وأخطائها المتكررة وما زال الله يقول (بإحسان) فكيف قبل التسريح بإحسان يكون هناك ضرب مبرح أو غير مبرح؟

كل هذه إشكالات تصادمت مع قول هذا الباحث الذي أقدره وأحترمه ولم أجد أن عدم وجود أصل لغوي لمعاني أخرى يجعلني ألجأ لفهم الضرب بمعناه الجسدي!

نأتي لمعنى (واضربوهن) بحذف حرف الجر (عن) من (هن) وجدت أنه لغويًا هناك شيء اسمه حذف الخافض حرف الجر ونصب ما بعده فمن الممكن أن أقول يمدهم في طغيانهم أو يمد لهم في طغيانهم وهذا تأويل نحاة البصرة لهذه الآية موجود على الإنترنت، وكذلك أمثلة حذف الجر في القرآن عديدة مثل ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ ‌رَجُلًا ‌لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: 155]  هنا بحذف (من) قبل (قومه).

إذا هناك وجه لقول (واضربوهن) بمعنى واضربوا عنهن؟

وهناك من ذهب أن (واضربوهن) بمعنى جامعوهن أي اهجروهن مرة وجامعوا مرة تعبيرًا عن الاعتراض، ورأوا أنها صحيحة لغويا ولكنها غير منطقية لي ولكنها أيضا ممكنة.

وهناك على موقعكم رأي أنه بمعنى ثبتوهن في بيوتهن أي لا تخرجوهن، وهذا أيضا منطقي ولكني أردت قرينة من القرآن نفسه أنّ ضرب تأتي بمعنى ثبت.

في النهاية، أحيانا يؤلمني عدم قدرتي على اليقين بفهمي الموافق للفطرة بسبب أن هناك من يقول بالعلم اللغوي والقرآني والبحثي وبذلك تكون حجته أقوى من حجتي، ولكني أرى أن رسالة الله في قرآنه لا تحتاج كل هذا العناء، فبتجميع بسيط لصفات الله من عدل وإحسان (وما ربك بظلام للعبيد) … إلخ أستطيع بسهولة استبعاد أي فهم بعيد عن هذه الصفات حتى لو غير صحيح لغوياً، فكم من اختلافات بين النحاة أنفسهم في كل شيء، وكلٌ لديه حجته أنه بلسان العرب، ولكن للقرآن لسانًا خاصًا متفردًا أستطيع معرفة المعاني من خلاله وليس من خلال البشر.

أحيانا أتساءل من الله؟ هل فهمي الرحيم العادل به هو الصحيح أم المحاولات غير المنطقية لإقناعي برأي أرى تطبيقاته الخاطئة كل يوم هي ظلم لفئة مستضعفة سواء أكانت المرأة أم الطفل أم الخادم أم غير المسلم وأي من الفئات المستضعفة.

سأبقي يقيني بالله ثابتًا أنه سيرشدني إلى الصواب في هذه المسألة وسأنتظر الإجابة الدقيقة منكم فان أصبتم فجزاكم الله عني خير الجزاء، وإن لم تقنعوني فلكم أيضا جزيل الشكر على الاجتهاد.

الجواب:

إن السائلة الكريمة قرأت في موقعنا أسئلة ومقالات تفيد بأن الضرب الزوج زوجته ليس بمعنى الإيذاء الجسدي، وقد أشارت لكثير من التساؤلات التي بيناها وقمنا بالجواب عنها، بالإضافة إلى فطرتها بالوثوق في عدله تعالى ورحمته بعباده التي نتج عنها تساؤلات أخرى قد وضعت بنفسها لها إجابات منطقية وعقلية تتفق مع كتاب الله تعالى والفطرة السليمة.

وقبل أن نجيب عن تساؤلها بخصوص مجيء معنى الضرب بما يؤيد قولنا، نود أن نؤكد على قولها بأن القرآن الكريم له لسانه العربي المبين الخاص به والعلم الذي استقاه النحاة وعلماء اللغة مستمد منه، ولذلك فهو حجة على اللغة وليس العكس، ولهذا فليس شرطًا أن توجد نفس العبارة المستخدمة في القرآن بكتاب غيره وأقوال العرب حتى نحكم بصحة استخدامها في هذا الموضع من كتاب الله تعالى، وعند اختلافنا في معنى كلمة ورد ذكرها فعلينا أن نعود إلى نفس الكلمة في سياقات متعددة في الكتاب نفسه لفهم المراد منها، وهذا ما سنفعله إن شاء الله تعالى.

وكذلك نلفت نظرها لأمر يتعلق بقولها عن الكاتب الذي تثق في علمه ورأيه الذي تأثرت بأنه يرى أن الضرب في الآية الكريمة جاء على معنى الإيذاء الجسدي دون تكسير عظام – على حد قوله أو قولها – ونحن لا نقدح في كاتب أو باحث لكننا نوجه السائلة الكريمة إلى أن اختلاف الرأي مع الباحثين – خاصة من يتمسكون بالكتاب – لا يفقدنا الثقة بهم ولا يعني عدم احترامهم، ونحن في موقعنا كثيرًا ما نختلف ولا يؤثر ذلك في احترام أكثرنا للآخر ذلك لأننا مهما بحثنا وبذلنا الجهد في تحري الفهم الصحيح فلن نصل إلى مستوى الأنبياء والمرسلين المؤيدين بوحي السماء الذين وصفهم الله تعالى بأنهم ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾.

وهذا لا يعني أبدًا أن الباحث المجتهد لن يصل إلى الحق إن لم يكن نبيًا أو رسولًا بدليل العبد الصالح الذي أرسله الله تعالى لكليمه موسى ليعلمه ما لم يكن يعلم:

﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ الكهف (65)

وما نود قوله أنه لا ينبغي للمؤمن الباحث عن الحق أن يلتمسه عند شخص بعينه فربما أصاب في فهم وأخطأ في آخر؛ ذلك لأن الباحثين قد يتأثر بعضهم بثقافة مجتمعه أو خبراته أو المفاهيم التي ظلت عالقة بذهنه ويتمسك برأيه ظنًا منه أن النص القرآني لن يأتِي في لحظة ويهدم تلك المفاهيم الراسخة في الأذهان، فنجده يحكم على النص بذلك المنظور – خاصة النصوص التي تحتاج إلى تأويل – ويحتاج إلى وقت حتى يدركها ويغير رأيه الذي تبناه لفترة ربما تصل إلى سنوات وعقود إذا استمر في البحث والتدبر، وقد حدث هذا الأمر كثيرًا وتراجع أكثرنا عن رأيه إذا رأى الحق مع غيره.

ويأخذنا هذا الجانب لمفهوم (واضربوهن) بشكل خاص ومنظور (قضايا المرأة بشكل عام) التي ما زال يُنظر إليها بمنظور المجتمع والعادات والتقاليد التي ألفها الناس ولم يُنظر إليها بشكل تام من جانب أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين الذي أنزل كتابه ليحطم أصنام مفاهيم المجتمع الجاهلي ويحرق أوثان أفكاره وسلوكياته وينسفها نسفًا قبل أن يحطم أصنامه التي صنعت من الحجارة، وذلك كما حدث مع مفهوم (ملك اليمين) الذي رغم وضوحه في آياته تعالى البينات بما لا يدع مجالًا للشك نجد حتى الآن من يزعم أن ملك اليمين هن الجواري اللاتي أحلت لأسيادهن لينتهكوا كرامتهن ويستبيحوا عرضهن سفاحًا بدون عقد نكاح، وإذا وجه لهم القول يتعذرون ويبحثون عن أعذار ومبررات واهية وحجج داحضة بأن ذلك كان في العصر الجاهلي ومتعارفًا عليه ولم يعد موجودًا.. إلخ وكأن القرآن نزل لعصر من العصور ويؤكد ما تعارفوا عليه من الظلم ويؤيده وينصر فاعليه.

وسوف نقوم في هذا المبحث بتناول مسألة (ضرب الزوجة) بشيء من التفصيل ونطرح القضية من جميع أوجهها ونقدم الأدلة على صحة ما ذهبنا إليه من خلال مشاهدة الواقع الذي تعيشه أكثر البيوت التي تدعي التدين وتبيح الضرب، وكذلك من خلال تدبر المعاني القرآنية في القضية وصولًا إلى الدلائل اللفظية لمسألة (الضرب).

فإذا تحدثنا عن الواقع الذي ينادي أكثر فقهائه بأن الضرب جاء بمعنى الأذى وحجتهم في ذلك مبنية على التجارب الحياتية التي أثبتت بأن الضرب _كوسيلة إصلاح وتأديب وتهذيب للزوجات العاصيات_ قد نفع في إبقاء كثير من البيوت وساعد في الحفاظ عليها عامرة وأنه لولاه لهدمت وخربت.

ولو سلمنا _جدلا_ في أن الضرب أبقى على كثير من البيوت، لكن السؤال المتبادر هو كيف أبقى عليها؟! أهي بالفعل بيوت عامرة آمنة مطمئنة أم بيوت خاوية على عروشها!! وللإجابة عن هذا السؤال علينا بمشاهدة وقراءة الواقع المحيط بنا ليتبين التالي.

  • إن هؤلاء يعلمون جيدًا – لكنهم يختانون أنفسهم – أن بقاء هذه البيوت وعدم هدمها ليس لأن الضرب في حد ذاته وسيلة تأديبية وتربوية، إذ لو كان كذلك لما غفل عنه القرآن الكريم في تربية الأطفال أو حتى في تأديب الخارجين عن التعاليم والآداب التي أمر بها تعالى باجتنابها في كتابه كشرب الخمر أو الكذب والغيبة والتجسس.

وإنما أكثر النساء اللائي تعرضن للضرب والإهانة من أزواجهن قد خرجن من سجن الأبوين الذي تتربى فيه البنات تحت مظلة الأمثال الشعبية (اكسر للبنت ضلعًا…) فيحلُمن بالزواج ظنا منهن أن يجدن الفرج فيه، فإذا هي تقع فريسة لرجل يضربها ويمتهن كرامتها، ولكن هذه المرة تحت مظلة أسمى وأعظم من الأمثال ألا وهي مظلة الدين والشرع الذي ناول الزوج عصا الطاعة رافعًا فوقها راية (قال الله وقال الرسول) – والله ورسوله بريء مما يشركون – لتجد المرأة المستضعفة نفسها بين فكي الرحى وبين خيارين كلاهما مرٌّ بالإضافة إلى خيار ثالث أشد وأطغى عند خروجها إلى مجتمع أكثر قسوة تلتهم ألسنته المرأة المطلقة.

  • وتحت مظلة الدين لم يعد هذا الفكر فكرًا ذكوريًا يقتصر على الرجال، وإنما من كثرة تكراره وعلو أصوات المنادين به خُيل إلى كثير من النساء أنه الحق الذي لا يقبل الشك وظنن بأن البديهي أن تُضرب المرأة وتُعنّف من زوجها، وليس ذلك فحسب بل من أهل الزوج كوالدي الزوج وحتى إخوته إن لزم الأمر عند غياب الزوج أو سفره، فصَّدقت أكثر النساء أن الرجل أعلى مرتبة منها وأنه مهما فعل فــ (لا يعيبه سوى جيبه) أما هي فعيوبها كثيرة تقوَّم وتٌهذب بالضرب.

وكيف لها ألا تصدق ذلك ورجال الدين وحاشيتهم ينادون في خطب الجمعة من أعلى المنابر (اضرب ضربًا غير مبرح وتجنب الوجه)! ليؤكدوا على أنه تعالى قد فضله عليها، وأنه المخول بأن يصدر لها شهادة حسن السلوك ليغيب الحق في خضم الباطل وكثرته رغم وضوح الآيات البينات التي تنفي هذا الأمر وجعلت لكل منهما جانبًا من التفضيل مصداقًا لقوله:

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ النساء (32)

وساوت بينهما في العمل والجزاء.

فاشتركت أكثر النساء مع الرجال في عبادة ما ألفوه من آلهتهم التي يظلون عليها عاكفين حتى الآن بأن هذا الزوج – الذي زعموا ظلمًا وزورًا أن الرسول كاد أن يأمر الزوجة بالسجود لزوجها لولا أن العبودية لله وحده – له كافة حقوقه المترتبة من الطاعة العمياء، فمنح الأذن بالتصرف حيال معبودته – زوجته – حتى تعنيفيها وجلدها، ففي مقابل الإنفاق عليها فله مطلق الحق في تأديبها عند الخطأ وإصلاح إعوجاجها وكسر شوكتها وتغيير مسار عصيانها، وأن مجرد غضبه عليها يجعل السماء تسقط عليها اللعنات إذا امتنعت عن فراش الزوجية، ولم يحرموا عليها الجنة فحسب وإنما حتى من أن تشم رائحتها لو طلبت الطلاق بغير حق، وأنها قد سُلمت بصك نكاحها وتم بيعها إلى الزوج وأهله ولا يحق لها الشكوى أو طلب الفراق.

هذه هي الأسباب وراء خضوع هؤلاء الزوجات في بيوتهن، وليس لأنهن تأدبن باليد أو السوط كما يزعمون، وإنما خضعت أكثرهن قهرًا من أهلهن الذين وقفوا من ضرب بناتهم موقف التأييد أو الصمت أو العجز، فخضعن مجبرات مع أزواج ضربوا بكلام الله تعالى عرض الحائط وضربوا معه زوجاتهم، فآثرن البقاء على زوجية تحكم بازدواجية، وتحمّلن الذل والهوان من أجل الحفاظ على أطفالهن لعدم وجود مصدر دخل لهن غير النفقة التي يمنعها الأزواج نكاية في الزوجة وانتقامًا منها إن طلبت الفراق.

ويشهد على ذلك ساحات القضاء وأروقة المحاكم المكدسة بقضايا الأسرة التي ينام فيها الأطفال وأمهاتهم – اللائي رفضن أو لم يعدن يتحملن الضرب – على أرصفتها يطالبون بأقل وأبسط حقوق هؤلاء الأطفال من نفقة السكن والطعام والكسوة والعلاج التي أمر تعالى بها ونهى عن إلحاق الضرر للتضيق على النساء:

﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنّٰۚ﴾ الطلاق (6)

وأوجب رزقهن ليس فقط على الأب وإنما على ورثته عند وفاته:

﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا، لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ، وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ﴾ البقرة (233)

والسؤال الذي يطرح نفسه عند النظر في نهيه تعالى عن إلحاق الضرر بالمرأة المطلقة والتضييق عليها في قوله (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) وقوله (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ) هو:

ألا يُعد الضرب ضررًا وتضييقًا؟!

أم أن الضرب _بتقرير المذاهب له_ تحول من إلحاق الأذى والضرر إلى منح العطف والود، ومن الشر إلى الخير والبر؟!

وإن كان الضرب كذلك فلماذا لم يخبرنا هؤلاء كيف يُؤدب الرجال سيئو الأخلاق ممن يسبون أزواجهم بفاحش القول، ويطردونهن ليلًا بملابس النوم، ويبخلون عليهن وعلى أولادهم في النفقة، ويشردون أطفالهم، ويتعاطون المخدرات، ويسعون للزواج ممن هي أصغر وأجمل على الرغم من أنهم تركوا ما أمرهم به ربهم من الإنفاق والرعاية والمسؤولية.

فما السبيل لتأديب هؤلاء، أهو الضرب ذاته وسيلة إصلاح المرأة؟

أم أن السب والشتم والطرد والبخل والظُلم من دواعي الضرب غير المبرح ما دام لم يصفعها على وجهها؟!

ومشاهدة الواقع لا تتوقف على ما سبق، وإنما الأدهى من ذلك أن فتنت وانحرفت كثير من النساء بالفكر والاعتقاد بسبب انتشار ذلك المفهوم في المجتمع فظنن بالله تعالى ظن السوء ظن الجاهلية وأسأن إلى عدل الله ورحمته، والأمثلة على ذلك كثيرة من نساء فكر تطرفن في كراهية الرجال وإزدراء الدين والهجوم عليه تحت رعاية من يحسبون أنفسهم المدافعين عن الحقوق النسوية موجهين أسلحتهم صوب الله تعالى ورسوله –  وليس إلى المرويات المفتريات والمفاهيم الخاطئة – ونظروا إلى الدين القيم بمنظور قانون الغابة، وتالله إن هؤلاء النساء لن يحاسبن وحدهن على هذا الاعتقاد وإنما سوف يسبقهم من تسببوا في إضلالهن وفتنتهن وألبسوا عليهن دينهن بزرع بذور الشك في محاباته تعالى الرجال وتسليطهم على النساء حيث يصدق عليهم قوله تعالى:

﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ النحل (25).

هذا من ناحية الواقع الذي تبيَّن منه انعكاس عواقب ضرب النساء بمعنى الإيذاء الجسدي، والذي يؤكد أن هذه البيوت ليست عامرة تتصف بالأمن والطمأنينة وإنما خاوية على عروشها ظاهرها أسرة متماسكة وداخلها نفوس راجفة وتشتت وكراهية فـــــ ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ﴾ ذلك لأنها لم تتأسس على تقوى الله تعالى بل أسست على شفا جرف هار فانهار كثير من الأبناء الذين رأوا ظُلم أمهاتهم بسبب آبائهم ممن حولوا السكينة إلى استكانة، وبدَّلوا المودة والرحمة إلى القسوة والعنف، وجعلوا من الإنفاق الواجب على الأزواج منَّة وفضلًا منهم – وليس بما فضلهم الله تعالى بالقوة اللازمة للسعي والشقاء – فحُمِّلوا بالعقد النفسية، ومنهم من بحث عما فقده خارج البيت لتدور الدائرة بالفتيات المُعنفات فينتهي بهن المطاف بإكراهها على حياة أخرى قاسية خالية من العطف والرحمة سواء بانحرافها أو بزواجها ممن لا يخاف الله تعالى، أو حتى بعزوفها عن الزواج ووصفه بأنه مؤسسة فاشلة وبيئة طاردة للحب والمساواة.

وظهرت الدعوة من بعضهن إلى قبول فكرة المساكنة (العيش معًا بدون نكاح) تحت رعاية شياطين الإنس والجن وزخرف القول بأن تتخلص المرأة من قيود الزوج ولا تتعرض فيه للقهر وتنجو بنفسها من سجنه متى شاءت، لتشيع الفاحشة وتنقطع أواصر الحلال كنتيجة حتمية لما افتري على الله تعالى وعلى رسوله الكريم.

ونحن لا نجعل الواقع حكمًا على دينه تعالى، ولكن في الوقت نفسه فإن الواقع مرآة تعكس عاقبة الظلم والقهر لفئة كبيرة من الزوجات وأولادهن والتطرف الخُلقي والفكري والعزوف عن الزواج والفتنة في الدين والإساءة إلى عدله تعالى ورحمته بعباده، فكل ذلك مصدره البعد عن تعاليم الكتاب وهديه إزاء التعامل مع المشكلات الزوجية مصداقًا لقوله تعالى:

﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الأنعام (153)

أما من ناحية التدبر القرآني في بيان معنى الضرب وتصوره يتبيَّن الآتي.

  • إن السائلة ذكرت أن النساء لسن أطفالًا حتى يعاقبن بالضرب، والحق أنه لم يأتِ في القرآن الكريم تعريضًا أو تصريحًا أمر بضرب الأطفال – بالطبع هذا يخالف المرويات التي تقول بالضرب لتعليم الصلاة التي تناقض قوله تعالى:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ طه (132)

وقد نهى الله تعالى الآباء عن قتل أولادهم، والقتل هنا ليس فقط بإزهاق النفس وإراقة الدماء وإنما يشمل القتل النفسي والروحي بالضرب والقسوة والعنف أو الإهمال فيضيع الأولاد تحت مسمى البحث عن الرزق:

﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ، نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ، إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ الإسراء (31)

والسؤال هنا، هل يأمر الله تعالى بالصبر على الأولاد ومن جهة أخرى يدعو إلى ضرب أمهاتهم!

  • إن الله تعالى قد أنزل كتابه على أمة أكثرهم يكرهون ولادة الأنثى وتسود وجوههم ويحولون بشرى ولادتها إلى نذير السوء والشؤم ويخيرون أنفسهم بين أن يمسكوها على هون أو يدسوها في التراب، ثم بعد ذلك يأتي الأمر الإلهي في كتابه _الذي وصفه بأنه رحمة وشفاء لما في الصدور_ بقوله (واضربوهن) ليأمرهم من فوق سبع سموات بضرب هؤلاء البنات عند عصيانهن أزوجهن وعدم تقديمهن فروض الولاء والطاعة ليمنحهم الفرصة على طبق من ذهب لمن لم يوأد بناته وهن صغيرات وأبقاهن على هون أن يتدارك الفرصة في وأدها كبيرة بإعطاء الإذن للزوج بتأديبها بالضرب عن الخطأ والنشوز والعصيان!!
  • إن الله تعالى أرسى أوامره وتعاليمه حيال التعامل مع العصاة والمعاندين، فعلى سبيل المثال نجد أمره تعالى لرسوله موسى في حق من اتخذ العجل:

﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ…﴾ طه (97)

والسؤال هنا:

فهل يأمر تعالى بترك من أشرك وأفسد وعصى رسوله وجعل الناس يتخذون العجل من دون الله تعالى ثم يأمر الزوج بإيذاء الزوجة لأنها عصت الأمر وخالفته!!

أم أن معصية الزوجة – لو افترضنا أن النشوز يعني معصيته – أشد من معصية النفاق والكفر والشرك بالله تعالى للدرجة التي عُبد فيها العجل ليكون الرد منه تعالى والأمر لرسوله بعدم المساس!

وكيف نفسر الضرب بين المعروف حال الوفاق وبين الإحسان حال الفراق؟! ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ البقرة (229)

  • ألم يأمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بالموعظة والقول البليغ في حق الكافرين والمنافقين:

﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ النساء (63)

وبالإعراض عن المشركين الذي وصفهم بالرجس في قوله:

﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ، وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ التوبة (95)

ثم يأتي ليأمر بوعظ الزوجة ثم إيذائها وضربها!!

فهل الزوجة التي لا تريد طاعة زوجها أخطر على المجتمع وأنجس من الكفار والمشركين؟

أليست الزوجات والأمهات يشملهن قوله تعالى:

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ الفتح (29).

  • أليس الصفح عن المعتدين مطلبًا إلهيًا، فكيف يحض على العفو وعدم رد الاعتداء على الغرباء في قوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ الشورى (40) ثم يأمر بالاعتداء على الأزواج الذين هم آية من آياته في السكن والمودة والرحمة؟!

أين ذلك من دفع السيئة بالحسنة لعل العدو ينقلب إلى ولي حميم حتى يأمر الزوج بضربها حتى تطيعه؟!:

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ فصّلت (34)

  • ألم ينادِ الأزواج بالصفح والغفران حتى عند ظهور العداوة في قوله:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ، وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ التغابن (14)

أم أنه قال (إن من أزواجكم عدوا لكم فاضربوهم)! أم أنه طالب الأزواج بالصفع بدلًا من الصفح وبالأذى بدل من العفو والمغفرة!!

  • وإن قيل أن النشوز في آية ضرب الزوجات يعني إتيان الفاحشة، فماذا يعني النشوز في قوله:

﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ البقرة (259)

وفي قوله:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ، وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ المجادلة (11)

فهل كلمة النشوز في الآيتين تدل من قريب أو من بعيد على ارتكاب الفاحشة؟!

أليست تعني أنه تعالى أقام ورفع تلك العظام بعد أن كانت تهشمت بفعل الزمن، وأن (انشزوا) تعني القيام عن المكان؟!

وإذا ربطنا معنى النشوز في الآيات الثلاث ألا يفيد معنى القيام سواء عن حالة أو مكان أو زواج؟!

  • ألا يتعارض قولهم أن النشوز بمعنى ارتكاب الفاحشة مع قوله تعالى:

﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ الطلاق (1)

أليس الأمر واضحًا أن المرأة المطلقة لا تخرج من بيتها إلا في حالة الفاحشة لعل بقاءها يمنح الفرصة للرجوع؟

فكيف يأمر تعالى الذي رأى زوجته ترتكب الفاحشة أن يضربها ويكمل الحياة معها كأن شيئا لم يكن!!

  • ولو افترضنا صحة قولهم على الرغم أن الآية الكريمة لم تتعرض لإتيان الفاحشة والتي بيَّن حكمها في موضع آخر في قوله:

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ..﴾ النّور (6)

فهذا يعني أن الزوجة لا تُضرب إلا في حالة إتيانها الفاحشة، أليس كذلك؟

فلماذا تضرب النساء في غير الفاحشة؟

هذا بالإضافة إلى أن الروايات التي عرفت النشوز بالفاحشة أمرت بالضرب غير المبرح!

وعلى هذا الزعم، هل يُعقل إن رأى الرجل زوجته ترتكب الفاحشة أن يدخل يده في جيبه ليخرج السواك أو المنديل ويضربها به لتعود إلى رشدها وتتوب إلى ربها؟!

﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾

  • وإن قيل أن النشوز هو العصيان وليس الفاحشة، فالسؤال الذي يطرح نفسه:

لماذا لم يضرب النبي الذي أُمر بالضرب – غير المبرح – أزواجه حين عصته بعضهن وأفشين سره:

﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ..﴾ التحريم (3)

ألم يكن فعلهن معصية لرسول الله وأمر يستحق التوبة حسب قوله تعالى:

﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا، وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾ التحريم (4)

ألم يفعلن أمرًا يستحق طلاقهن بأمر منه تعالى:

﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ..﴾ التحريم (5)

فلماذا لم يضربهن؟ ولماذا لم يقل الله تعالى (وإن تظاهرا.. فاضربهن)؟!

فهل أمر النبي الكريم أصحابه والمؤمنين من بعده بأمر نأى هو عن فعله؟

  • وإن قيل أنه كان رؤوفًا رحيمًا ولم يضرب أهله قط.

يرد على ذلك، إن كان النبي يتصف بالرأفة والرحمة – وهو بالفعل كذلك – ولكن هل رحمته ورأفته هي أعظم وأكبر من رأفة ورحمة أرحم الراحمين؟!

  • أليس الضرب أمرًا إلهيًا والرسول هو أولى الناس باتباعه حتى لو كان كارهًا كما حدث في حالة الزواج من مطلقة زيد الذي كان على غير رغبته؟!
  • هل يحق للنبي أن يختار أمرًا غير الذي اختاره الله تعالى له؟:

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ الأحزاب (36)؟!

  • هل على النبي من حرج إن فعله مع أزواجه بعد أمره تعالى به:

﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ الأحزاب (38)

بدلًا من أن يحرم على نفسه ما أحله له ربه ابتغاء مرضاة أزواجه؟!

إن القائلين بالضرب زعموا قول النبي أن الضرب يجب أن يكون غير مبرح مع تجنب الوجه، وهذا على الرغم أن الأمر جاء على إطلاقه في قوله تعالى (واضربوهن) والسؤال هنا:

  • هل يحكم الرسول بغير ما أنزل ربه الذي أمره:

﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك﴾ المائدة (49)؟

  • هل استجاب الرسول للمطالبين بتبديل القرآن:

﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ يونس (15)

  • أم أنه استجاب لرقة قلبه وبدَّل قرآن ربه وزاد عليه ليأمر تعالى بالضرب وتكسير العظم ثم يأتي من هو أرحم من خالقه ليقول (واضربوهن ضربًا غير مبرح ولا تضربوا الوجه)

﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُون. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾؟!

إن القائلين بضرب الزوجات وإيذائهن لم يستشهدوا بأحاديث الرسول التي افتريت عليه لتقنين الضرب ولبيان حدوده من تجنب الوجه وتحديد آلته من السواك كما يزعمون، وإنما على العكس تمامًا! فقد استشهدوا بها ليضربوا بكلام الله عرض الحائط ويجدوا مبررًا ليشرعوا الضرب تحت لواء قول الرسول!

إذ لو كان الضرب كما زعموا (غير مبرح بالسواك والمنديل) وأن الزوج يبدأ بالوعظ فإن لم تتعظ فبالهجر فإن لم ترتجع فبالضرب، فكيف يأتي الضرب في الترتيب الثالث بعد الوعظ والهجر؟! أليس البدء بالأخف أولى بأن يعظ ثم يضرب زوجته بالسواك أو المنديل ثم يهجر؟!

فالحق أن الرواية ومثيلاتها هي دعوة صريحة للضرب المبرح والقسوة والعنف ورواية الضرب غير المبرح ليست الرواية الوحيدة في ضرب الزوجات التي قيلت على لسانه فقد زعموا قوله (لا يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يجامعها) ﴿حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوء﴾.

وبصرف النظر عن ركاكة أسلوب الرواية الذي ينأى عن قوله رسول اتصف بالخلق العظيم وعن إباحته لضرب العبيد الذي أمر تعالى بالإحسان إليهم:

﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا… وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ النساء (36)

ففيها إباحة التسلط والتجبر للزوج على زوجته وأنه فقط ينبغي على الرجل إن أراد معاشرتها فلا يضربها قبلها في ذلك اليوم كما يضرب عبيده، فهل كذلك يضرب الرجل عبده ولا يضرب الوجه أو يكسر العظم!!

﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ إنه لقول يدعو إلى الدهشة والعجب!!

  • وإن قيل جاء السواك على سبيل المجاز في تخفيف الضرب، فأين المجاز في تشبيهه بضرب العبيد؟

فيا ليت قال لنا هؤلاء أين وكيف يضرب الرجل زوجته وماذا يستخدم خلال هذه العملية حتى لا يخرج أحد عن تلك القواعد ويكون ضربه كما أمر الله ورسوله؟!

فمن الرجال من يعتبر أن عدم تلبية رغبته في إحضار كوب من الماء أو صنع نوع معين من الطعام أو امتناع زوجه عن الفراش.. إلخ نوع من النشوز وعدم الطاعة وبالتالي له الحق في ضربها لأنه من وجهة نظره أنها خالفته وخالفت رغباته.

فعلى المنادين بالضرب أن يضعوا في الضرب كتابًا _مثلا_ تحت عنوان (آلية ضرب الزوجات حسب أصول الروايات) يوضحون لنا فيه أمكان الضرب وأوقاته وأسبابه ودرجاته.

  • ويفسرون لنا إن كان الضرب بالسواك والمنديل فلماذا استثنى الوجه من الضرب؟!
  • ويذكرون لنا كيف تركل البطن ويجلد الظهر ويوكز الصدر وينتزع الشعر وتلوي الأيدي والأصابع دون كسرها؟!
  • وما هو بديل السواك إن لم يجده أهي العصا أم الحزام أم الحذاء أم الكرسي؟!
  • ويبينون لنا هل يدخل رأس وشعر المرأة مع الوجه في التكريم أم يلحق بالجسد في الإهانة والتعذيب؟
  • وماذا لو كان الزوج غاضبًا ولم يستطع أن يتمالك نفسه ويتحاشى الوجه وكسر العظم؟!
  • وماذا لو ماتت المرأة من أثر الضرب؟ هل لها دية القتل الخطأ أم أنها كطلاق الغضبان ويشملها حكم النسيان؟!
  • وفي خاتمة الكتاب يفسرون لنا قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ الإسراء (70) ويوضحون هل نسخت الآية برواية تكريم الوجه، وأصبح معنى الآية (ولقد كرمنا وجه بني آدم) وأهان الجسد والنفس والروح؟! أم أن المرأة العاصية ليست من بني آدم؟ وهل كذلك خرج العبيد من هذا التكريم مثلها ؟!

ما يقال لهؤلاء إلا ما قد قيل: ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾.

هذا بالنسبة لتعارض الضرب بمعنى الأذى مع آداب وتعاليم الكتاب، أما بالنسبة للفظ فإذا جئنا إلى الدليل من القرآن الكريم أن الضرب له معنى وضع الشيء على الشيء وتثبيته نجد:

  • قوله تعالى ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾ النّور (31) فهل كلمة (وليضربن) هنا تعني أن تمسك المرأة خمارها لتصفع به جيبها؟! أم أن معناه وضعه وتثبيته حتى لا يكشف ما تحته؟!
  • ومنه قوله تعالى ﴿كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ، كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ الرعد (17)

فكيف يضرب الله الحق والباطل؟!

وهل يكون الضرب هنا مبرحًا أم غير مبرح؟

وكذلك كيف يضرب الأمثال؟

فهل يضرب الله الأمثال بالسوط أم بالعصا؟، ومن أراد أن يتعلم فهل عليه أن يضرب المثل بسوط أو بغيره؟

أليس المعنى ثبوت كل من الحق والباطل بتحديد سبيلهما وبيان عقباتهما؟!

أليس معنى ضرب المثل تثبيت الذكر عن طريق وضع الشيء مقابل الشيء وتكراره حتى يثبت في النفس؟!

  • ومنه قوله تعالى:

﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ، إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا، نِعْمَ الْعَبْدُ، إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ص (44)

فهل أخذ أيوب العشب وضرب به نفسه كالسوط؟

أم أن المعنى وضعه وتثبيته وإبقائه على الجرح حتى يبرأ؟!

هذا هو نفسه الضرب الذي أمر تعالى به الأزواج عند الخوف من نشوز المرأة أي طلبها الافتراق عنه في قوله ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ…. وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ النساء (34) بالعمل على تثبيتها في بيتها بشتى الطرق والوسائل، وهو نفسه الخوف من نشوز الزوج في قوله ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًاۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ النساء (128) وكذلك النشوز في حق الرجل إرادته المفارقة وزاد عليه الإعراض هنا لأن الرجل قد يُعرض عن زوجه وقد يريد استبدالها بزوج آخر، ولكن هذا لا يحدث مع المرأة المؤمنة الحافظة للغيب بما حفظ الله، لأنه لا يحق لها التعدد بخلاف الزوج، فإن أرادت الفراق لبغض الزوج أو لسوء الخلق والنفور – سواء منه أو منها – فإنها لا ينبغي أن يكون ذلك بسبب إعراض الزوجة ورغبتها في استبداله برجل آخر أحبته وأرادت الإعراض عن الأول لتتزوج الثاني إذ أن المرأة العفيفة لا تسمح بوجود مثل تلك العلاقات بل تصرف نفسها حتى عن مجرد التفكير فيها.

وختامًا:

إن الله تعالى جعل الحياة الزوجية مصدر للسكنى والسكينة ولم يجعلها ساحة حرب وغالب ومغلوب وكاره ومكره وليس فيها طرف ضعيف وآخر مستقوٍ.

  • وإنما هناك من أوتي القوة ليحمي وهن زوجه بالمودة والرحمة ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ﴾ لقمان (14) لا ليستغل وهنها ويطغى عليها.
  • ووضع لكليهما ناموسًا ينظم تلك العلاقة حال نشوز أحدهما، سواء كان النشوز بمعني عدم امتثال الزوجة لطاعة زوجها أو أنه يعني قيامها عن زوجها ورغبتها في فراقه فليس له أن يضربها لجبرها على الطاعة أو على البقاء معه إذ لا تكره المرأة على البقاء مع زوج لا تريده.
  • وقد علمنا طرق الإصلاح من الوعظ والتذكير بطيب العشرة حتى الوعظ عرفه بــ ﴿الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ النحل (125) وليس بسوء القول، وكذلك الهجر بينَّه بـــ ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ المزّمّل (10) وأمرهم بالعمل على تثبيت الأزواج في البيوت (واضربوهن) بطيب المعاملة وحسن العشرة وزيادة الإحسان لعلها تتمسك وتثبت في بيتها.
  • ولو حدث وكره الزوج زوجه فلا يحل له أن يعضلها ليحصل على بعض ما آتاها وأمره بالصبر عليها:

﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ … فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ النساء (19)

  • ونهى عن الإمساك بهن بغرض الإضرار، وحذر منه أشد التحذير بأن فاعليه يتخذون آياته تعالى هزوًا:

﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ البقرة (231)

  • ولو احتدم الأمر وحدث الشقاق فهنا يأتي دور الحكمين فإن أرادا الإصلاح يوفق الله تعالى بينهما:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ النساء (35).

  • وإن فشلت مساعي الإصلاح فقد جعل الله تعالى لهما الغنى بالفراق:

﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ النساء (130)

وحتى عند الطلاق الرجعي لم يأمر بالإخراج أملًا في الإصلاح:

﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ الطلاق (1)

هذا هو منهاجه وشرعه تعالى في علاج المشكلات الزوجية، وما يحدث منذ عصر الجاهلية إلى وقتنا الحالي من ظلم وقهر ووأد لحياة المرأة ولحقوقها ما هو إلا إفك افتروه وأعانهم عليه قوم آخرون ممن يظنون في الله غير الحق ظن الجاهلية.

وأما من رضي على نفسه الأذى والضرر فهذا اختياره، ولكن دون أن يفتريه على الله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ يونس (44)

ولا أن ينسبه لرسول حرم على نفسه الحلال ابتغاء مرضاة أزواجه.

والمؤمن الحق من تأسى برسوله رحيم القلب وليِّن الجانب فيصفح ويعفو عن الغرباء بما فيهم الأعداء فكيف في حق الأزواج:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران (159)

وأما من أراد البيوت ساحة للظلم والقهر والاعتداء فقد صد عن سبيله تعالى وابتغاها عوجًا، ولسنا في شيء من هؤلاء الذين حولوا الضرب (بمعنى الإيذاء الجسدي) من عادة تتصف بالقبح إلى عبادة تتصف بأنها إحدى أدوات الإصلاح فلا يقال إلا ما قد قيل:

﴿وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا، قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ الأنعام (126).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.