د. عبدالله القيسي
إذا كانت الروايات هي أكثر ما استغرق الخطاب الوعظي، فإن روايات علامات الساعة هي الأكثر استهلاكا بين تلك الروايات، لما يجد فيها الخطيب أو الواعظ من تحقق في الواقع في بعض صورها، ذلك التحقق الذي يراه في الواقع كان الخطباء قبله قد قالوا مثله في القرون الماضية، ورأوا أنها كانت في زمنهم أيضاً، وستأتي الأجيال القادمة لتقول مثل ذلك القول!!
فما هو وزن تلك الروايات التي تناولت مسألة علامات الساعة؟ وهل أولى القرآن بها اهتماما وذكر بها المؤمنين؟ ولماذا تكاثرت بذلك العدد في كتب الحديث؟ وهل توافق القرآن أم تخالفه؟ وهل أخبر الله نبيه عن غيب في المستقبل خارج ما أخبر به في كتابه؟ تعالوا لنستقرئ آيات القرآن التي قد تعيننا على إجابة تلك الأسئلة.
هناك فريق من المحدثين يرى أنه لا بأس من التحديث بروايات الترغيب والترهيب حتى لو كانت ضعيفة، إذ يجوز في ذلك من التساهل ما لا يجوز في غيره! وهي فكرة خاطئة فتحت شهية واضعي الحديث على لسان النبي عليه السلام، حتى تكاثرت تلك الروايات بشكل كبير فأثقلت العقل المسلم، وجعلته عقلا قابلا لتقبل أي خرافة ببساطة. لا بد أن يعي كل مسلم بأن قضايا الغيب تحتاج إلى دليل قطعي في الثبوت والدلالة، وأن دخول الأدلة الظنية في ذلك يفتح ثغرة لتسرب الظن والوهم إلى العقل المسلم، وإذا امتلأ العقل المسلم بالظنون والأوهام انحرف عن الهدف الأساس له في الحياة، من عمارة الأرض بالحق والخير والجمال.
مع الروايات:
في البداية أؤكد أن الروايات التي وردت في شأن علامات الساعة روايات آحادية ظنية، والظن لا يؤخذ به في العقائد، كما ذكر ذلك الشيخ شلتوت في كتابه “الإسلام عقيدة وشريعة”[1] ومن هذا المنطلق سأناقش بعض الروايات التي تتحدث عن علامات الساعة.
– عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ: (من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) [2].
– عن أَبَى هُرَيْرَةَ: أن رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) [3].
– عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) [4].
– عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر) [5] .
– عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجوه، دلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة) [6].
– عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان، فيكون بينهم مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله) [7].
– عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليه، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل)[8].
– عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) [9]
– روى الدارمي عَنْ عبدالله بن مَسْعُودٍ قَالَ: (لَيسرين القرآن ذات ليلة فلا يترك آية في مصحف ولا في قلب أحد إلا رفعت) [10].
– روى ابن ماجة في السنن: عن حذيفة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة. وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها). فقال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة، تنجيهم من النار، ثلاثا[11].
نقد تلك الروايات:
المتأمل لتلك الروايات يجد فيها تناقضا في داخلها، وتناقضا مع منطق العقل السليم، وتناقضا -وهو الأهم -مع آيات القرآن الكريم، وإليكم أهم تلك التناقضات:
أولاً: تناقضها مع منطق العقل
كيف يقلّ العلم رغم أن التجربة الإنسانية تتراكم يوما بعد يوم وعاما بعد عام؟ وكيف ننكر هذه القفزة المهولة في مجال العلم والتكنولوجيا وخاصة في القرن الأخير؟ .. إن منطق العقل السليم يقول: إن العلم في تقدم مستمر، ومقارنة إنسان اليوم وإنسان الأمس في مجال العلم تبين الفارق الواضح في ذلك.
ثم كيف يكون ظهور الزنا من علامات الساعة؟ وهو موجود في كل العصور وفي كل الأماكن وفي كل الدول بما فيها الدول الإسلامية وبما فيها عصر صدر الإسلام ذاته. إن العاقل لا يمكن أن يقول إن ظهوره من علامات الساعة وإلا كانت العلامات سابقة لعهد النبي نفسه.
أما نسبة الرجال إلى النساء، فإن النسبة بينهم منذ القدم لم تتسع لتلك الدرجة التي ذكرتها الرواية، والتي توحي لنا بأن كل قرن يزيد فيه النساء بدرجة أكبر حتى يصل أمام الرجل الواحد خمسين من النساء، وهذا مخالف لسنن الكون، إذ أن ذلك يخالف التوازن الذي أراده الله بين الأزواج كلها كي تستمر الحياة.
وقولهم بنزول عيسى كعلامة من علامات الساعة فيه من الأسئلة ما تجعله متناقضا مع العقل كذلك، ومثله المهدي المنتظر والمسيح الدجال، وقد أفردت لكل تلك القضايا مبحثا خاصا بها.
وأما علامة زوال القرآن فلست أدري كيف سيزول ووسائل الحفظ تتراكم يوما بعد يوم، وصار بإمكاننا حفظ الشيء في وسائل كثيرة بعد ثورة الاتصالات في القرن الأخير، ولماذا يرفع الله كتابه وقد أنزله هدى للناس؟ هل من المعقول أن يترك الله تعالى عباده دون كتاب يهتدون به؟
أما أخبار القتال ووصف تلك الفرقة بأنها ناجية وأن الأخرى هالكة ومارقة، فإن رائحة التعصب للمذاهب والفرق تنفث منها، إذ أن كل فرقة لما لم تجد ما يؤصل وجودها ويبرر أفعالها من القرآن لجأت إلى صك روايات مكذوبة على النبي كي تجمع الناس حولها، وتثبت أفرادها، وتأملوا تلك الروايات التي تصف فرقة ما بأن لبسها كذا أو مكانها كذا أو صفتها كذا، لتعرفوا كيف فصلت لكل فرقة، ولو أننا سحبنا بساط الروايات من تحت تلك الفرق لسقطت وسقط معها التعصب الممقوت الذي أدخلنا سرداب الانحطاط الذي لم نخرج منه بعد، إذ لا زالت معركة صفين مستمرة إلى يومنا هذا كما يقول واقعنا.
ومن يجمع كل روايات علامات الساعة وآخر الزمان سيجد التناقض الواضح فيما بينها، فتأتي رواية بإثبات شيء وتأتي أخرى بنفيه، ولا مجال لدي لجمع تلك التناقضات، ولكن أذكركم بمثال مشهور تسمعونه باستمرار، فهل سمعتم بتلك الرواية التي تقول إن الخلافة على منهاج النبوة ستعود آخر الزمان؟ وأن المهدي سيملأ الأرض عدلا وسلاما؟ وهل سمعتم في مقابلها أيضاً أن الساعة ستقوم على شرار الخلق وأن كل قرن أشر ممن قبله؟
ثانياً: تناقضها مع القرآن الكريم
الساعة تأتي بغتة:
يكرر القرآن حين يتكلم عن الساعة أنها تأتي بغتة بلا أي مقدمات، والحديث عن علامات للساعة يخالف تلك الآيات، إذ أن العلامة التي تسبق الساعة نوع من التنبيه لها، ولا يحدث حينئذ مباغتة.
– يقول تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي، لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ، ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً، يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 187].
– وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا. إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا. إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا. كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات: 42-46].
– وقال تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ، أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ [الأنعام: 32].
– وقال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف: 107].
– وقال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: 55].
– وقال تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الزخرف: 66].
2- لا يعلم الغيب إلا الله:
أكد الله سبحانه في القرآن بأن موعد قيام الساعة من قضايا الغيب التي لا يعلمها إلا هو، وروايات علامات الساعة تنسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام علم الغيب، فإن قالوا: إن الله قد أخبره بغيب خارج القرآن قلنا هاتوا دليكم القطعي، ولا تخالفوا أنفسكم في أخذكم لقضايا العقيدة والإيمان بروايات ظنية لا يصلح أن تكون سنداً في قضايا العقائد، وإن قالوا أن النبي يعلم الغيب فقد خالفوا نصوص القرآن الواضحة، فالله وحده يعلم الغيب، ووحده يعلم قيام الساعة. ولكنهم ربما لما وجدوا أن الله وحده يعلم قيام الساعة ولا يعلمه النبي قاموا بصنع دور آخر للنبي وهو أنه يعلم علاماتها فقط أما موعدها فلا يعلمه!!
– يقول تعالى: ﴿وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ، إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [النحل: 77].
– وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34].
– وقال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ﴾ [فصلت: 47].
– وقال تعالى: ﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزخرف: 85].
– وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي، لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ، ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً، يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ، وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ، إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف 188: 187].
– وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: 63].
– وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا . إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا . إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ [النازعات 42: 45].
– وقال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 50].
– وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ، وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: 44].
مع الآيات:
يستدل القائلون بعلامات الساعة ببعض الآيات التي يرون فيها إشارة إلى علامات الساعة، فما هي تلك الآيات وما مدى صحة استدلالهم بها؟
– يستدل القائلون بعلامات الساعة بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾[الزخرف:61]، ويقصدون أن عيسى في عودته آخر الزمان هو علامة على الساعة.
أقول: اختلف المفسرون في عودة الضمير في (إنه) هل يعود لعيسى أم للقرآن أم لمحمد أم أنه ضمير الشأن، فحتى إن قلنا إنه عائد على عيسى فإن كونه علم للساعة فيه ثلاثة احتمالات طرحها المفسرون، وما اعتمدوا عليه هو أبعدها عن السياق، والمعنى القريب للسياق هو أن خلقه في رحم أمه من غير أب هو دليل على إمكان الساعة، وهذا ما رجحه الشيخ شلتوت بمرجحات كثيرة في كتابه الفتاوى، وقد خلص في النهاية إلى أنه (ليس في القرآن الكريم ما يفيد بظاهره غلبة ظنٍ بنزول عيسى، فضلاً عما يفيد القطع الذي يكوّن العقيدة).
– يستدلون بقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾[النساء: 159]، حيث يرون أن عيسى حين ينزل آخر الزمان سيكون هناك من يؤمن به، ونزوله هو إحدى علامات الساعة.
أقول: هذه الآية ليس لها أدنى علاقة بالمستقبل وعلامات الساعة وآخر الزمان، إذ أنها تتكلم عن أهل الكتاب الذين سيشهد عليهم عيسى يوم القيامة، وهم أولئك الذين عاشوا معه في حياته لا الذين يكونون في آخر الزمان، فالشهادة لا تكون إلا بالحضور والرؤية بالعين والسماع بالأذن، فالآية تتحدث أن هناك فريقاً من أهل الكتاب – اليهود – الذين عاصروا عيسى وشبه لهم عملية الصلب والقتل، سيؤمنون به وسينكشف لهم حقيقة ما جرى، وأن عيسى لم يصلب ولم يقتل بل عاش بعدها حتى عرفوا ذلك وآمنوا به قبل موت عيسى الموت الطبيعي الذي أشارت إليه الآية: ﴿إني متوفيك﴾، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً يشهد عليهم بما تظهر به حقيقة أمره معهم. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ، قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ، تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ، وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[المائدة: 116] [12] .
– يستدلون بقوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا، فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾[محمد: 18]، يرون أن الآية ذكرت أشراط الساعة وهي علاماتها.
أقول: الآية تتحدث عن الأشراط، والأشراط ليست العلامات، إذ أن الشرط كما يعرفونه، هو ما لا يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم. وسأضرب هذا المثال لتعرفوا الفرق بين الشرط والعلامة، فامتحانات الطالب في المدرسة لها علامات ولها شروط، فعلامة قربها طبع وتصوير الأستاذ للأسئلة إن شاهدوه وهو يطبعها ويصورها وإنزال جدول الامتحان وأرقام الجلوس وغيره، ولكن شرط الامتحانات هو أن يكون هناك مدرس ومنهج ودراسة، وإلا فكيف يمكن أن يدخلوا الامتحان دون أن يدرسوا، لو لم يدرسوا لما حق للمدرس اختبارهم، فذلك شرط من شروط الامتحان، إذ لا يلزم من وجود الدراسة وجود الامتحان، ولكن يلزم من عدم الدراسة عدم الامتحان. لهذا فإن علامات الساعة غير شروطها، فشروطها إرسال الرسل وإنزال الكتب، أما العلامات فهي إشارات لا شروط. والآية أكدت أن الأشراط قد جاءت، ولم تقل إن أشراطها ستكون في آخر الزمان، بل تحدثت بأنها وقعت بإرسال النبي عليه السلام ومن قبله من الرسل، وأحاديث علامات الساعة تقول بأن العلامات ستأتي آخر الزمان، وهذا فرق واضح بين الأشراط والعلامات، ثم إن الآية أكدت بأن الساعة بغتة، حتى لا يفهم بعضهم أن الأشراط هي العلامات، ولذا فإن روايات علامات الساعة مخالفة لهذه الآية، ولا يصلح استدلالهم بها على العلامات.
– يستدلون بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾[النمل:82]، فهم يرون أن هذه الدابة هي إحدى علامات الساعة.
والمتأمل للآية يجد أنها تتحدث عن حدث في الآخرة لا حدث في الدنيا، أي وقت وقوع القول أي قيام الساعة، ولا تذكر الآية شيئا عن علامات الساعة، ولا يمكن تأويل خروج تلك الدابة أنه علامة من علامات الساعة، لأن الآيات الأخرى تبين بوضوح أن الساعة تأتي بغته بلا موعد ولا أمارة، فهذه الآية تفهم في ضوء تلك الآيات. فالآية تحدثنا عن دابة ستشهد علينا كما تشهد علينا أشياء كثيرة بجوارها، وهذا لا يكون إلا في اليوم الآخر.
– يستدلون بقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[الأنعام:158]، وقد فسروا الــ (آيات) هنا بأنها علامات الساعة. وهذا الاستدلال لا يصح، لأن الآيات هنا جاءت في سياق التهديد، فقد هددهم بأن يرسل عليهم بعض آياته، أي عقابه، كما أرسله على الأمم السابقة، فيكون ذلك العذاب آية أي علامة على صدق النبي.
يقول ابن عاشور[13] ، وجملة: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا﴾ مستأنفة استئنافاً بيانياً تذكيراً لهم بأنّ الانتظار والتريّث عن الإيمان وخِيمُ العاقبة، لأنَّه مهدّد بما يمنع من التّدارك عند النّدامة، فإمَّا أن يعقبه الموت والحساب، وإمّا أن يعقبه مجيء آية من آيات الله، وهي آية عذاب خارق للعادة يختصّ بهم فيعلمون أنَّه عقوبة على تكذيبهم وصَدْفهم، وحين ينزّل ذلك العذاب لا تبقى فسحة لتدارك ما فات لأنّ الله إذا أنزل عذابه على المكذّبين لم ينفع عنده توبة، كما قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس:98]، وقال تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: 8] ، وقال: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ﴾ [الأنعام: 8][14].
فالآيات هنا هي العذاب وقد سماها القرآن آيات كما في سورة الأعراف مع قوم موسى يقول تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾[الأعراف 133]، وقد أطلق عليها آيات لأنها علامات ودلالات على صحة نبوة موسى.
– يستدلون بقوله تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ . لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ . خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ . إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا . وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا﴾[الواقعة:1-6]، ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ . وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ . وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ . وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير:١-٧]، وغيرها من الآيات التي تحكي ما يجري وقت قيام الساعة، إذ يرون أن تلك علامات سابقة لقيام الساعة. وبتأمل بسيط في تلك الآيات نجد أنها تصف لنا ما يجري في الكون وقت قيام الساعة، ولا تحدثنا عن علامات قبلها، وهي تأتي بجميعها في وقت واحد ولا تتفرق في زمنها. ففي تلك اللحظة ينشق القمر وتنتثر الكواكب وتفجر البحار.. ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر:1]، ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار:١-٣].
– يستدلون بقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 96-97]
وهذه الآية ليس فيها دلالة صريحة على ما ذهبوا إليه من أن الفتح الوارد في الآية هو خروج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان، وإنما لها دلالة أقرب لو تأملنا الآية في ضوء سياقها، وفي ضوء آيات أخرى اشتركت معها في المعنى، أي على قاعدة تفسير القرآن بالقرآن. فالفتح المقصود بالآية هو خروجهم زمن النفخة الثانية في الصور، وهو وقت خروج الناس جميعاً من قبورهم، وهناك عدة قرائن تؤيد هذا المعنى:
إذا تأملنا قوله تعالى في هذه الآية: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ مع قوله تعالى في سورة يس: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: 51]، عرفنا أن المعنى واحد، وكلمة ينسلون لم تستخدم في القرآن كله إلا في هذين الموضعين. فإذا نفخ في الصور خرجوا من الأجداث والقبور، ينسلون إلى ربهم، أي: يسرعون للحضور بين يديه، ولذا جاء بعدها: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ وهو الوعد بالحساب، ثم بعدها تقول الآية: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 97]، وهذا الفزع الذي صورته الآية لا يكون إلا يوم القيامة، فعيونهم مِن شدة الفزع مفتوحة لا تكاد تَطْرِف، يدعون على أنفسهم بالويل في حسرة: يا ويلنا قد كنا لاهين غافلين عن هذا اليوم وعن الإعداد له، وكنا بذلك ظالمين، وهي تشبه ذات الموقف الذي ذكرته سورة يس بعد الآية السابقة: ﴿قالُوا ياوَيْلَنا مَن بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا هَذا ما وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ﴾[يس: 52].
ثم تقول الآية بعدها: ﴿إنْ كانَتْ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا هم جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾[يس: 53]، ولو رجعنا إلى آية سورة الكهف التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج فسنجد ما يؤكد هذا المعنى، إذ تقول الآية: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا . قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا . وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا . وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا﴾ [الكهف: 97-101]، فقوله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾ تؤكد أن المقصود هو خروجهم عند نفخ الصور، وأن الوعد الحق هو ما ذكرته الآية ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا﴾.
وأما مصيرهم بعد بناء السد فهو مصير كل إنسان، الموت ثم البعث عند النفخ في الصور، وإنما خصصت الآية الحديث عن خروجهم عبرة لكل قرية ظالمة أنها ستعود للحساب والجزاء يوم القيامة، ولذا جاءت الآية السابقة لذكرهم في سورة الأنبياء بتأكيد هذا المعنى ﴿وحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 95]، والمعنى أن أي قرية أهلكها الله بسبب كفرها وظلمها، فإنها لن ترجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة؛ ليستدركوا ما فرطوا فيه. ثم بعد هذه الآية جاء ذكر يأجوج ومأجوج كمثال لقوم كانوا مفسدين في الأرض، فلما قضى عليهم الموت كما يقضي على كل إنسان، لن يعودوا مرة أخرى قبل يوم القيامة، وإنما سيخرجون مسرعين بعد النفخة إلى الوعد الحق الذي ينتظرهم.
*هذا البحث منقول بتصرف طفيف من كتاب (عودة القرآن) للدكتور عبدالله القيسي
المراجعة والتدقيق: د جمال نجم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الإسلام عقيدة وشريعة ص 64.
[11] أخرجه ابن ماجة برقم 4049.
[12] للمزيد حول الدليلين السابقين يمكن مراجعة المبحث الخاص بعودة عيسى من هذا الكتاب (عودة القرآن).
[13] بعد أن فسر ابن عاشور أن الآيات في الآية تعني العذاب اعتبر علامات الساعة جزءا من ذلك العذاب، وأوافقه في الأولى ولا أوافقه في الثانية.