السؤال:
من فضلكم، ما صحة الادعاء بأن التحرش بالنساء هو من الصغائر وأنه إذا رأى شخص امرأة غير مسلمة يتم التحرش بها أو محاولة الاعتداء عليها فلا يجوز له سوى أن ينصح المعتدي بالقول، أما محاولة الدفاع بالقوة فغير جائز إذا كان المعتدي مسلمًا.
الجواب:
إن التحرش بالنساء والأطفال من الفواحش، وكذلك يندرج تحت البغي في الأرض بغير الحق، لأنه يتم رغمًا عن المتحرش بهم، وسواء أكان تحرشًا لفظيًا أم جسديًا فهو محرم لقوله تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ..﴾ الأعراف (33)
وكل الفواحش منهي عنها حتى عن مجرد الاقتراب منها وليس فقط عن فعلها:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ الأنعام (151)
مثلها تمامًا مثل الزنا الذي نهانا تعالى عن الاقتراب منه:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ الإسراء (32).
وكل ما أطلق عليه لفظ المحرم وجاء النهي عن الاقتراب منه فليس فيه صغيرة إذ أن كلها فواحش منها الظاهر ومنها الباطن، ولذلك جاء الأمر باجتنابها مع كبائر الإثم مصداقًا لقوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَٰ…﴾ النجم (32)
واللمم المستثنى في الآية الكريمة لم يستثنَ من الكبائر أو الفواحش بمعنى أن الكبائر والفواحش لا تتجزأ إلى صغيرة وكبيرة وإنما كل الكبائر كبائر وكل فاحشة كبيرة، واللمم هو ارتكاب شيء مغاير لهما وليس ارتكاب شيء منهما.
ولنأخذ على ذلك مثالًا بالكبائر من القتل والسرقة وأكل مال اليتيم، فلا يوجد قتل كبير وآخر صغير ولا سرقة كبيرة وأخرى صغيرة وكذلك أكل مال اليتيم، وهو ما ينطبق تمامًا على الفواحش فليس فيها فاحشة كبيرة وأخرى صغيرة ، وأي قول أو فعل يحمل الفحش يعرض صاحبه لعذاب في الدنيا قبل الآخرة مصداقًا لوعيده تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النّور (19)
فالآية هنا لا تتحدث عن جزاء الزنا الذي جاء في بداية السورة، وإنما الآية خاصة بالوعيد لمن تحدث وخاض في أعراض النساء وذكرهن بالفاحشة تعريضًا أو تصريحًا، فما بال من وجه إليهن القول الفاحش مباشرة أو تعرض لهن بلمس أجسادهن أو تتبع عوراتهن وأراد كشف سترهن وانتهاك حرماتهن؟!
والقول بأن التحرش ليس مثل الزنا وبالتالي هو من الصغائر وليس من الكبائر، هو استنتاج خاطئ، ولو قلنا بذلك للزم القول بأن شرب الخمر – الذي أمرنا تعالى باجتنابه – كذلك من الصغائر لعدم وجود عقوبة له في الكتاب!.
ولكننا لو أردنا تقدير عقوبة تعزيرية بالمتحرش فيمكن قياسه على أمور ثلاث:
إما أن يكون تحرشه لفظيًا وفي هذه الحالة يمكن قياسه برمي المحصنات ويأخذ عقوبة قريبة منه،
وإما أن يكون جسديًا فيلحق به عقوبة قريبة من عقوبة الزنا،
وإما إن زاد الأمر عن حده لدرجة ترويع الآمنات من الفتيات والنساء ومحاولة الاعتداء عليهن فيلحق بعقوبة الحرابة والإفساد في الأرض وينطبق عليه قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ المائدة (33)
وقد ترك الأمر هنا للقاضي الذي يقدر كل حادثة بقدرها بدءًا من التوبيخ أو الجلد أو الحبس أو أي عقوبة رادعة لهؤلاء، هذا بخلاف عقوبتهم من الله تعالى في الدنيا والآخرة جزاء إشاعتهم الفاحشة إن لم يتوبوا.
أما بالنسبة للسؤال عن عدم التعرض للمتحرش أو منعه سوى بالنصح وخاصة إن كانت المتحرش بها امرأة غير مسلمة، فإن هذا القول لا يعني سوى الافتراء على الله تعالى وعلى رسوله وهو كمن قيل فيهم:
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ آل عمران (75)
وذلك أن بعض أهل الكتاب من أباح لنفسه خيانة أمانة من ليس منهم فوصفه تعالى بقول الكذب والافتراء عليه تعالى، وقد جاء الرد منه سُبْحَانَهُ:
﴿بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ آل عمران (76)
فما بال من قال بأن المرأة غير المسلمة مستباحة العرض منتهكة الستر؟! ومِمَن؟ من المسلم المؤمن بكتاب الله تعالى!
ولهؤلاء يحق لنا أن نتساءل:
- هل يحق لغير المسلمين التعرض بالتحرش أو التعدي بالقول أو الفعل على المرأة المسلمة التي تعيش في بلاد غير المسلمين؟! هل نعطي لأهل تلك البلاد نفس الحق الذي أعطيناه لأنفسنا من التعدي على نسائهم وانتهاك حرماتهن لأنهن على دين آخر!
- إذا كان كليم الله موسى قد علم أن المضروب الذي يستغثه من شيعته فقتل من أجل الدفاع عنه، فماذا علم عن دين المرأتين حتى ينهض للقيام بالعمل نيابة عنهما؟ فهل سأل الفتاتين عن دينهما قبل أن يمد يد العون إليهما؟ وماذا لو علم أنهما تعبدان أوثانًا هل كان سيتراخى عن معاونتهما؟ مع ملاحظة أن الرعاة لم يتعرضوا للفتاتين بسوء، فماذا لو وجد أحدا من الرعاة أو بعضهم يتعرض لهما بالقول أو الفعل؟!
- هل جاء الأمر بغض البصر عن المرأة المسلمة أما غير المسلمة فمباحة العرض؟
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾؟!
ألم يأمر الله تعالى رسوله والمؤمنين في كتابه بإجارة من استجار به من المشركين الذين نقضوا العهد وحاربوا الله ورسوله:
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ التوبة (6)
فكيف لنا أن نصدق مثل تلك الأقاويل التي تبيح الفواحش والمنكرات على مرأى ومسمع من المؤمنين؟ ألا يُعد هؤلاء ممن يحبون أن تشيع الفاحشة ويستحقون عذاب الدنيا والآخرة؟ فهؤلاء كمن قيل فيهم:
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا، قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (28)
وختامًا:
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ آل عمران (19)
ودينه تعالى في كل كتبه السماوية التي أنزلها على أنبيائه ورسله تدعو إلى الإسلام الذي أول معانيه السلام، وكل تعاليمه تنهى عن الفواحش وتنأى بالمسلم عن المنكرات:
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ آل عمران (85)
ومن يتبغ غير هذا الدين ويتبع غير سبيل المؤمنين – سواء من أهل الكتاب أو المنتسبين إلى الإسلام – وفعل الفواحش والمنكرات أو دعا إليها أو تراخى عن الدفاع عمن يتعرضن للتحرش فقد خسر خسرانًا مبينًا واستحق أن يكون كمن قيل فيهم:
﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ المائدة (79)
فلا يستحق أن ينتسب إلى أمة جعلها تعالى خير أمة إذا التزمت بأمره تعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ…﴾ آل عمران (110)
الباحثة: شيماء أبو زيد