السؤال:
هل يصح الحديث الذي يأمر بقتل الوزغ ، فقد جاء فيه أن الوزغ كان ينفخ على النار التي ألقي فيها سيدنا إبراهيم لذلك وجب قتله. أو ليست الحيوانات مسيرة غير مخيرة في قراراتها وما هي إلا جند من جنود الله تعالى؟ ، فكيف لها أن تفعل هذا؟. وإن فعلت هذا بصفتها مسيرة فلماذا تعاقب والأدهى لماذا يعاقب كل جنس الوزغ على قرار تلك الوزغة. ما يصدمني أنا الحديث مروي في صحيحي البخاري ومسلم.
الجواب:
ورد في صحيحي البخاري وصحيح مسلم أن النبي ﷺ أمر بقتل الوزغ (أبو بريص)، وذكر أن الوزغ كان ينفخ في النار حين أُلقي فيها إبراهيم عليه السلام ، وذلك في إشارة إلى عداوته للمؤمنين.
الحديث عن الوزغ الذي ينفخ النار على إبراهيم ﷺ يُعد من الأحاديث الصحيحة من جهة السند، لكن علماء الحديث والفقه اختلفوا في تفسير هذا الحديث، بين من أخذ القصة على ظاهرها، ومن فهمها بشكل رمزي.
التفسير الظاهري:
هناك من المفسرين من يرى أن الحديث يمكن أخذه على ظاهره كإشارة إلى أن الوزغ (بحكم تركيبته الفطرية) كان يسهم في محاولة إيذاء النبي إبراهيم ولو بأقل ضرر، أي بنفخ النار.
لكن هذا التفسير يتعارض مع الواقع والمنطق، لأنه لا يمكن إثبات ذلك فعليا.
التفسير الرمزي:
بعض العلماء يرون أن القصة قد تحمل دلالة رمزية، والوزغ في الحديث يُصور كشخصية رمزية تعبر عن دور الأعداء الذين يحاولون إلحاق الأذى بالأنبياء والصالحين. فالوزغ هنا ربما يمثل رمزًا للأذى، في إشارة إلى ما يُظهره بعض الناس من العداوة والبغضاء، ولو كانوا غير قادرين فعليًا على التأثير أو الإيذاء.
لكن يرد على هذا التفسير بأن هناك أمرا من النبي بقتل الوزع وهذا ينقض التفسير الرمزي.
نقد المتن
مسألة نقد المتن وتقييمه على ضوء المعقولية والمنطق من القضايا المهمة التي أولاها بعض العلماء اهتمامًا في علم الحديث. في التراث الإسلامي، نجد أن بعض المحدثين لم يكتفوا بتقييم السند فحسب، بل وضعوا أيضًا قواعد لنقد المتن، خصوصًا إذا كان الحديث يتضمن شيئًا يبدو غير منطقي أو مخالفًا للثوابت الشرعية أو العقلية. صحيح أن العلماء في علم الحديث ركزوا على السند للتأكد من عدالة الرواة ودقتهم، إلا أن بعضهم، كالإمامين أبي حنيفة ومالك، وغيرهما، قد أشاروا إلى ضرورة النظر في متن الحديث أيضًا، خاصة إن بدا فيه ما يخالف نصوص القرآن الكريم أو لا يندرج تحت مقاصده أو يتعارض مع العقل.
في هذا الحديث عن الوزغ، وبالرغم من تعارض معناه مع المنطق والشواهد إلا أن المحدثين تقبلوه لأنه لا يتعارض _من وجهة نظرهم_ تعارضًا قاطعًا مع الثوابت، لأنه قد يُفهم في ضوء الرمزية، أو على أنه سلوك فطري للوزغ لا إرادي.
وما دفع المحدثين ومن وافقهم من الفقهاء لتقبل هذا الحديث رغم تعارضه مع منطق الأشياء هو اعتقادهم أن رد رواية عند البخاري ومسلم هو بمثابة الخروج على ثوابتهم التي صنعوها بأنفسهم، التي بمقتضاها يحظى الصحيحان على مكانة عظيمة تكاد تكون موازية للقرآن وربما أعظم، لا سيما أنهم أعطوا الرواية صلاحية تقييد مطلق القرآن وتخصيص عامه والتشريع دونه بل ونسخ آياته عند بعضهم. وقد كان الأحرى بهم أن يحاكموا الروايات إلى الكتابين اللذين جعلها الله تعالى المرجع/المعيار الثابت في الحكم على الأشياء، وهما كتاب الله المنزل (القرآن الكريم) وكتاب الله المخلوق (قانون الطبيعة) وهما كتابان لا يتبدلان ولا يتغيران ويصلحان لأن يكونا البوصلة التي توجهنا نحو الصواب دائما.
إن احتمال وقوع الخطأ من الرواة وارد، فرواة السند من أولهم إلى آخرهم بشر قد يصدر الخطأ من واحد منهم أو أكثر، فيُحتمل وقوع الخطأ أو الوهم منهم. ومع أن الحفاظ العدول يقل احتمال الخطأ لديهم، إلا أنه لا يستحيل الخطأ عليهم، ومن يزعم بقطعية ثبوت ما نقلوه فإنه يعطيهم صفات لا تليق إلا لله وحده وكفى بذلك فسادا في العقيدة.
*ولمعرفة المزيد حول الأسلوب الأمثل للتعاطي مع الروايات الواردة عن نبينا الكريم ننصح بقراءة المقالات التالية:
متى تكون الرواية عن النبي حجة ملزمة https://www.hablullah.com/?p=5191
مصطلح السُّنَّة بحسب القرآن والتراث https://www.hablullah.com/?p=5877
هل تُعدُّ أحاديث النَّبيِّ من الوحي https://www.hablullah.com/?p=3032
تقييد السنة بالكتاب https://www.hablullah.com/?p=2244
كفاية القرآن https://www.hablullah.com/?p=3353