حبل الله
إيذاء الحيوانات والتوبة منه

إيذاء الحيوانات والتوبة منه

السؤال:

عندما كنت صغيرًا أتذكر أن والدي قام بوضع قطط صغيرة في كيس من الخيش وقام برمي الكيس في مستنقع، وبحسب كلامه فإن الكيس سقط في حفره عميقة فيها ماء.

ما حكم الفعل الذي قام به والدي؟ وهل تنفع التوبة؟ مع العلم أن والدي تغير الآن حيث أصبح رقيق القلب وعطوفًا مع الحيوانات وأنا أشعر أنه نادم بشأن ما حدث.

الجواب:

مما لا شك فيه أن الرأفة بالحيوان من هدي القرآن الكريم الذي نبأنا سبحانه وتعالى أنها أمم أمثالنا تستحق الحياة:

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ الأنعام (38)

وقد ضرب لنا الله تعالى مثلًا على رأفة أنبيائه ورسله بالحيوان، كالنبي الملك سليمان عندما رأت نملة جيشه قادمًا تجاه الوادي الذي تسكن فيه ﴿أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ﴾ فأسرعت تنبه أسراب النمل قائلة:

﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ النّمل (18)

فكان رد النبي الذي علمه الله تعالى منطق الطير:

﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَا وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ النّمل (19)

وهو ما يدل على أن تجنب أذى دواب الأرض وطيورها من العمل الصالح الذي يرضاه تعالى ومن الأعمال التي تُرجى بها رحمته عز وجل.

ومن هنا فعلى كل من آذى شيئا من هذه الكائنات أن يسارع بالتوبة والاستغفار امتثالًا لقوله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ آل عمران (135)

والله سبحانه وتعالى هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وهو من ينادى عباده:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر (53)

وهو يحتاج كذلك إلى الإكثار من الحسنات التي تُذهب السيئات كالصلاة:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ﴾ هود (114)

وأن يكثر من الأعمال التي تُكفر الذنوب كالتصدق على الفقراء:

﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ، وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ البقرة (271)

ولا يفوتنا التنويه إلى أمر هام:

ألا وهو أن بعض المجتمعات التي تنتمي إلى الإسلام يكثر فيها التعامل مع الحيوانات والطيور بقسوة، للدرجة التي نجد فيها الأطفال الصغار يركضون وراء الحيوانات لا سيما القطط والكلاب لتخوفيها وقذفها بالحجارة وركلها بالأرجل، والطيور بصيدها وربطها وتعذيبها، وهذا يعود إلى إهمال كثير من الأهل والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام إلى بعث الرحمة والرأفة في قلوب الناس _خاصة النشء الصغار_ تجاه هذه الكائنات.

وربما يعود السبب إلى بعض الروايات التي تزعم أن نبينا الكريم كان يأمر بقتل حيوانات بعينها، وهو ما لم ينزل الله تعالى به من سلطان ولم يأمر به رسولٌ كريم وصفه ربه بأنه لين القلب رؤوف رحيم، بل على العكس تمامًا فقد ذكر لنا القرآن الكريم أوصافا لهذه الدواب حيث جعل اختلاف خلقها دليلا على قدرته سبحانه وإبداعه في الخلق:

﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ النّور (45)

ولم يأمر سبحانه بقتل أي منها، بل إنه سبحانه قد أنزل بعض السور القرآنية بأسماء حيوانات وحشرات كسورة البقرة والنمل والنحل والفيل، وضرب لنا الأمثال بالبعوض والعنكبوت والحمار والكلب الذي كان رفيق المؤمنين في الكهف، أما الأنعام فقد ذكرها في كثير من آياته ممتنا على الناس بها:

﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ النحل (5)

كل هذا ليؤكد لنا تعالى أن هذه المخلوقات ينبغي الرأفة بها والتعامل معها برفق.

وبالتالي فلا ينبغي للإنسان المؤمن أن يتعرض لحيوان أو حشرة أو طائر سواء أكان نافعًا أم غير نافع إلا إذا خشي أذاه وضرره المباشر عليه، ولا يحل له ضربه أو قتله إلا دفاعًا عن نفسه من أن يفترسه أو يتسبب له بضرر ظاهر، انطلاقاً من أمره تعالى بالإحسان في كل شيء:

﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة (195).

*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:

الحيوانات تسمع وترى.. تفهم وتفكر وتتكلم  https://www.hablullah.com/?p=3096

حكم قتل الحيوان الضار للإنسان https://www.hablullah.com/?p=2043

تقييم الحديث الذي يأمر بقتل الوزغ  https://www.hablullah.com/?p=9549

هل قتل الكلاب من السنة؟  https://www.hablullah.com/?p=8876

هل أمر نبينا الكريم بقتل الغراب؟ https://www.hablullah.com/?p=8627

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.