د. عبدالله القيسي
فكرة المهدي المنتظر في أصلها فكرة سياسية كُسيت ثوب الدين في وقت لاحق، وتعود أول جذورها في الفكر الإسلامي إلى استخدام الشيعة الأوائل لفكرة المهدي لتثبيت أتباعهم عندما لاحقهم بنو أمية وبنو العباس، وجذورها تعود إلى الفكر اليهودي، ثم تسربت إلى كتب الحديث السني، لكنها لم ترد في كتابي البخاري ومسلم، وهذا يعني أنهما حكما على تلك الروايات بالضعف.
وفكرة المهدي آخر الزمان فكرة تعارض القرآن الكريم، لأنها تعارض ختم النبوة بمحمد عليه الصلاة والسلام، كما أنها مسألة غيبية عقدية ولم نجد لها أي إشارة في القرآن الكريم برغم أهميتها وأهمية ما يُبنى عليها، وخاصة عند بعض المذاهب كالشيعة الاثنا عشرية والأحمدية، وكل الروايات التي تذكر المهدي متعارضة ومضطربة وضعيفة، ولا تخلو من راو شيعي كما ذكر ذلك العلامة المؤرخ ابن خلدون في مقدمته، والشيخ رشيد رضا في تفسير المنار. وبرغم نشوئها في الوسط الشيعي إلا أن الزيدية الأوائل أنكرتها كما يذكر الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه “الإمام زيد” ورأوا أنها تدعو للقعود بدلا من الخروج على الحاكم الظالم.
يقول ابن خلدون: “ويحتجّون في الشّأن بأحاديث خرّجها الأئمّة وتكلّم فيها المنكرون لذلك وربّما عارضوها ببعض الأخبار” وقال: “ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشّأن وما للمنكرين فيها من المطاعن وما لهم في إنكارهم من المستند”[1] .
ويقول الشيخ رشيد رضا متحدثاً عن التعارض والإشكالات في أحاديث المهدي: “وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر; والجمع بين الروايات فيه أعسر، والمنكرون لها أكثر، والشبهة فيها أظهر; ولذلك لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها في صحيحيهما. وقد كانت أكبر مثيرات الفساد والفتن في الشعوب الإسلامية; إذ تصدى كثير من محبي الملك والسلطان، ومن أدعياء الولاية وأولياء الشيطان، لدعوى المهدوية في الشرق والغرب، وتأييد دعواهم بالقتال والحرب، وبالبدع والإفساد في الأرض حتى خرج ألوف الألوف عن هداية السنة النبوية، ومرق بعضهم من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
وقد كان من حق تصديق الجماهير من المتأخرين بخروج مهدي يجدد الإسلام وينشر العدل في جميع الأنام أن يحملهم على الاستعداد لظهوره بتأليف عصبة قوية تنهض بزعامته، وتساعده على إقامة أركان إمامته، ولكنهم لم يفعلوا، بل تركوا ما يجب لحماية البيضة وحفظ سلطان الملة بجمع كلمة الأمة، وبإعداد ما استطاعوا من حول وقوة فاتكلوا وتواكلوا، وتنازعوا وتخاذلوا، ولم يعظهم ما نزع من ملكهم، وما سلب من مجدهم، اتكالا على قرب المهدي، كأنه هو المعيد المبدئ، فهو الذي سيرد إليهم ملكهم، ويجدد لهم مجدهم، ويعيد لهم عدل شرعهم، وينتقم لهم من أعدائهم، ولكنه يفعل ذلك بالكرامات، وما يؤيد به من خوارق العادات.. وقد كانت الحرب بين خاتم النبيين والمشركين سجالا، وكان المؤمنون ينفرون منه خفافا وثقالا، فهل يكون المهدي أهدى منه أعمالا وأحسن حالا ومآلا؟ كلا”[2] .
وقال: “هذا والمسلمون لا يزالون يتكلون على ظهور المهدي، ويزعم دهماؤهم أنه سينقض لهم سنن الله تعالى أو يبدلها تبديلا، وهم يتلون قوله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا) [فاطر: 43] فإذا كان من أشراط الساعة آيات، وكان زمنها زمن خوارق العادات، فهل يضرهم أن تأتيهم على هدى من ربهم وإقامة لشرعهم وعزة وسلطان في أرضهم؟
ولمن أراد المزيد حول نقاش فكرة المهدي فليراجع ما كتبه: الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا في تفسير المنار، والأستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام، والشيخ محمود شلتوت والشيخ ابن عاشور والشيخ طه جابر العلواني، والأستاذ أحمد الكاتب الذي فند الروايات الشيعية بشكل دقيق ومفصل في كتابه “المهدي”، والشيخ عبدالله بن زيد آل محمود في بحث بعنوان “لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر”.
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:
خاتم النَّبيِّين ورسالته الخالدة https://www.hablullah.com/?p=2280
المهدي الذي بشَّر به جميعُ الأنبياء https://www.hablullah.com/?p=5163
البشارة بالنبي محمد في كتب الهندوس https://www.hablullah.com/?p=1271
الكتاب حجةُ الله تعالى على الخلق https://www.hablullah.com/?p=3150
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ