السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أشكر سعيكم وأتمنّى من الله سبحانه وتعالى أن يضاعف أجركم، لديّ سؤال يحيرني، وهو عن علاقة المسلم بغير المسلم سواء كتابيّ أو غير كتابي، أصادق الجميع وأكن المحبة للجميع ولا أستطيع أن أبغض أحدا، أكره أي تجاوز في حقّ الله سبحانه ولكن أفضل ديني وكل تعاليمه في حياتي وعلاقتي بالناس عموما بمبدأ التراحم والتسامح والتعايش السلمي. فما معنى يوادّون في القرآن؟ هل يجب كره الكافرين؟ وهل عدم القدرة على كره أي أحد يمسّ من إيماننا وحبنا الشديد لله سبحانه؟ شكرا مسبقا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله، وشكرا جزيلا على دعائك الطيب، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.
الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، وقد أمرنا الله تعالى بالقسط معهم وعدم الظلم، ولم ينهنا عن برهم والإحسان إليهم، وفي ذلك حضٌ على التعايش والانسجام في ظل الدائرة الإنسانية الواسعة. قال الله تعالى:
﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً، وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 7-9]
ففي الآيات السابقة وضع الله تعالى دستور العلاقات ما بين المسلمين وغير المسلمين بشكلٍ دقيقٍ، وبين أن الأصل أنها قائمة على التعاون والسلم وليس على الكراهة والمناكفة، ولا شك أن التعاون والسلم ينتج عنه تبادل المودة التي لا مانع منها شرعا تجاه غير المسلمين إلا إذا ظهر عداؤهم وبغضهم، فقد اشترطت الآيات دوام حالة السلم والمودة مع غير المسلمين عدم إخلالهم بما نطلق عليه بلغة عصرنا (الخطوط الحمراء) وهي ثلاثة:
- أن لا يقاتلوا المسلمين في دينهم.
- أن لا يسعوا لإخراجهم من ديارهم.
- أن لا يناصروا من يحاول إخراج المسلمين من ديارهم.
فإن تجاوزا خطا من تلك الخطوط الحمراء تنتهى العلاقة معهم. وهو المعنى المراد من قوله تعالى:
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22]
فليس من التقوى أن تحفظ الود لمن حاد الله ورسوله، أي أعلن عداوته للدين وكرهه لأهله.
أما غير المسلمين الذي لا تظهر عداوتهم لله ولرسوله وللمؤمنين فلا مانع من مودتهم وحسن التعامل معهم، فقد أمرنا الله تعالى في كتابه أن نقول للناس حسنا، وهذا شامل لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم، كما أمرنا بالإقساط مع الخلق جميعا، ولم ينهنا عن برّ غير المسلمين وودهم إذا لم يرتكبوا ما يمنع من ذلك، بل وجه إلى الصفح والعفو عن زلات المشركين لعل ذلك أن يكون سببا في تحقق المودة معهم، ولا شك أن الإسلام يسعى لتحقيق أقصى درجات السلم في المجتمعات عبر تشريعاته التي ترشد إلى ضبط النفس تجاه تصرفات المشركين المخلة. قال الله تعالى:
﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: 186] .
وقد ندب الله عباده إلى الصبر واحتمال الأذى في سبيل الله، واعتبر ذلك من صور التقوى، وأخبر أنّ ذلك من عزم الأمور، ولم يأمر الله تعالى في مثل هذه الحالة بقتال المشركين أو قطع حبال الود معهم؛ لأن الأذى أو السب لا يُعتبر إخلالا بتلك الخطوط التي توجب إنهاء العلاقة معهم.
وقد لاقى النّبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه أذى كثيرا من المنافقين الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، ولكنّه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين صبروا على أذاهم. ونقرأ في هذا الموضوع قوله تعالى:
﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ. يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 7-8] .
وعلى الرغم من أن تصرفات المنافقين قد بلغت من السوء ما بلغت، إلا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن إليهم المعاملة، والسبب في ذلك أنهم لم يتجاوز أحد الخطوط الحمراء الثلاثة كما بينتها الآيات. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطريق الأمثل في معاملة هؤلاء والمتمثِّلِ في قول الحق، وإظهار أخطائهم، وحسن معاملتهم، فقد أدّى حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبيّ بن سلول إلى إسلام كثير ممن حوله.
إن التعامل الحسن مع المخالفين في الدين أو مودتهم واحترامهم ومساعدة المحتاج منهم هي أخلاق إسلامية ظهرت بنصوص القرآن الكريم وممارسة نبينا الكريم. لكن ما يجب التحذير منه هو أن تتحول تلك العلاقة إلى ولاء لهم على حساب الولاء للمؤمنين، فالتعامل الحسن شيء والولاء لهم شيء آخر، لأن الله تعالى أمرنا أن يكون ولاؤنا لله ولرسوله وللمؤمنين بقوله:
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 55-56]
وقد حذر من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين واعتبر ذلك بابا للشر سيفتح على المسلمين لا محالة:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 144]
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات والفتاوى المتعلقة كما يلي:
التسامح و التحمل (التعايش) https://www.hablullah.com/?p=1735
مفهوم التسامح في القرآن الكريم https://www.hablullah.com/?p=1463
العلاقة مع غير المسلمين https://www.hablullah.com/?p=1294
حرية الفكر والاعتقاد والتعبير في القرآن الكريم https://www.hablullah.com/?p=9562