حبل الله
هل كانت السيدة هاجر زوجة لإبراهيم عليه السلام أم جارية؟

هل كانت السيدة هاجر زوجة لإبراهيم عليه السلام أم جارية؟

السؤال:

هل السيدة هاجر كانت زوجة لإبراهيم عليه السلام أم جارية لم يتزوجها وإنما عاشرها كجارية له؟ الرجاء التوضيح.

الجواب:

تحدثنا في موقعنا كثيرًا عن ملك اليمين، وبينَّا أن الله تعالى لم يبح أن يعاشر الرجل ملك يمينه من النساء إلا بعقد النكاح، وأن القاعدة الشرعية في علاقة الرجل بالمرأة في دين الله تعالى تنأى عن السفاح وتنطلق من أمره:

﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ النساء (24)

والابتغاء بالمال هو دفع المهر، و”محصنين” أي قاصدين الإحصان لا السفاح، وهذا لا يتحقق إلا بالنكاح الصحيح على التأبيد، ومن ثمَّ فإن النكاح هو شريعته تعالى لرسله وأنبيائه، والحديث في كتابه تعالى عن الأزواج منذ بدء الخليقة ومن لدن أبينا آدم ﷺ:

﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ البقرة (35)

وعندما جاء الحديث في سفر التكوين من العهد القديم (20: 21) في قصة السيدة هاجر المصرية استخدم لفظ الجارية، لكنه لم يأتِ فيه أن الخليل إبراهيم ﷺ قد عاشرها كجارية بدون عقد نكاح.

وإن قيل ولم يأتِ كذلك أنه قد تزوجها، يرد على ذلك بأنه ما دام قد جاء ذكر أنها ولدت منه ولده إسماعيل ﷺ فهذا في حد ذاته دليل على أنه تزوجها، لأن النكاح هو شريعته تعالى وليس السفاح، وكون السيدة هاجر جارية لا يمنع من زواجه منها إذ أن التعدد مباح منذ القدم، وشريعة تعالى المبنية على الطهارة والعفة واحدة لجميع أنبيائه ورسله مصداقًا لقوله تعالى:

﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ…﴾ الشورى (13)

وكذلك قوله تعالى عقب آيات النكاح:

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ النساء (26)

فسنته تعالى بين الرجل والمرأة هي النكاح.

ويبدو أن إباحة الجمع بين زواج الحرائر والإماء قد أعطي للرسل والأنبياء خاصة؛ لعلمه تعالى بمدى عدلهم في تعاملهم مع الأزواج والأبناء، ويتبين ذلك من خلال قصة السيدة هاجر مع الخليل، وكذلك في خطابه تعالى الموجه لنبيه ﷺ الذي أباح له خاصة أن يجمع بين نكاح الحرة ونكاح ملك اليمين:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ..﴾ الأحزاب (50)

حيث عطف ملك اليمين على الزوجات وبنات الأعمام والأخوال ومن وهبت نفسها للنبي، وجميع من ذُكرن _ومن ضمن ذلك ما ملكت يمينه_ يدخلن في قيد ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فلا علاقة زوجية تربطه بإحداهن دون عقد النكاح.

وهذا يؤكد على أن العفة والطهارة لا تتحققان إلا في النكاح الذي هو السبيل الوحيد للحفاظ على الأسر من الفاحشة والرذيلة، وهو ركن أساسي تقوم عليه المجتمعات وترتكز عليه في تحديد العلاقة بين الرجل والمرأة، ومن قال بخلاف ذلك فليس من الله في شيء مصداقًا لقوله تعالى في ختام الحديث عن نكاح المحصنات وملك اليمين:

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ النساء (27).

*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على مقالة أ.د عبدالعزيز بايندر (استرقاق أسرى الحرب واتخاذ الجواري) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=2742

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.