السؤال:
أمي توفيت ولديها ذهب وأبي إنسان كبير ومشلول. لدي خمس إخوة وست بنات، للعلم الإخوة عاقون، وأمي أوصت بالذهب بعد موتها للبنات، كيف تقسم التركة؟ وهل يجوز ألا يحصل أبي على نصيبه بسبب الإخوة لأنهم سيأخذون حقه وأبي إنسان عاجز.
الجواب:
إن السؤال يحتوي على بعض المفاهيم الشائعة في بعض المجتمعات ينبغي بيانها قبل تقسيم التركة.
- إن مسألة وصية بعض الأمهات بذهبهن للبنات دون الذكور هو شيء منتشر، وعلى الرغم من شيوع هذا السلوك إلا أنه يخالف أمره تعالى في كتابه بأن يحصل الرجال والنساء على كل ما تركه والديهم والأقربون مهما كان قليلًا أو كثيرًا:
﴿لِلرِّجَال نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ النساء (7)
ولم يفرق سبحانه وتعالى ما إن كان المتروك ذهبًا أو أموالًا في شكل عقارات أو أراضي أو مركبات أو غير ذلك.
ولو قلنا أن السبب في شيوع إعطاء الذهب للبنات أنه يندرج تحت الزينة المتعارف ارتداؤها للنساء من دون الرجال، لصح لنا القول ومن نفس المنطلق بأنه يحق للآباء – على سبيل المثال – أن يوصوا بإعطاء الأراضي للأبناء بما أنهم القادرون على تحمل مشقة زراعتها أو البناء فيها.
وهذا ما لا يقبله الله تعالى الذي جعل تقسيم تركة الميت في كل ما ترك صغيرًا أو كبيرًا، فلا ينبغي التهاون في هذا الأمر حتى لا يتعدى المؤمن حدود الله ويكون من العاصين:
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ النساء (14)
أما لو أرادات الأم وهي على قيد الحياة أن تعطي شيئًا من ذهبها لبناتها على سبيل الهدية أو العطية فلا حرج عليها، ومن الأفضل أن تعطي للذكور كذلك هدية أخرى أو ما يعادلها مالًا من باب العدل وعدم التفرقة بين أولادها للحفاظ على روح المحبة والتآخي بينهم، أما بعد وفاة الأم فذهبها يصير تركة لجميع ورثتها باستثناء لو رضي الذكور بإعطاء الذهب للبنات عن طيب خاطر منهم تنفيذيًا لوصية أمهم التي لا يلزمهم شرعا تنفيذها.
- كذلك مسألة عقوق الأبناء التي يريد البعض أن يتخذها ذريعة لحرمان بعض الأولاد من حقهم في التركة، وهو ما لم ينص عليه كتاب الله تعالى الذي جعل لكل الوارثين رجالًا ونساء نصيبًا مفروضًا فقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ..﴾ النساء (11) ولم يقيد الأولاد بكونهم طائعين فيحرم منه العاقين أو حتى الكافرين، وقد أمرنا تعالى بالعدل حتى مع العقوق أو الكراهية حين قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة (8)
أما الحساب على العقوق فهو لله تعالى، إما أن يتوب عليهم أو يعذبهم، فليس لنا من هذا الأمر شيء.
- وكذلك لا يحق للأبناء أن يحصلوا على حصة أبيهم في الميراث لمرضه أو عجزه، بل يأخذ حقه كاملا، وليقم أعدل الأولاد ذكرًا كان أو أنثى بالاحتفاظ بنصيب الأب والانفاق عليه منه – ويُشهد على ذلك – ولا يحق لأحد أن يتصرف في ماله بدون إذنه إن كان يتكلم ويستطيع التعبير عن إرادته سواء بالكلام أو الكتابة أو الإشارة، وأما إن كان عاجزًا عن التعبير أو لم يكن من أهل التصرف لعجز في عقله، فيبقى المال محفوظًا له يُنفق عليه منه، وتتم إدارة هذا المال بما يحقق النفع له.
ومن هنا فإن الذهب الذي تركته الأم – حتى وإن أوصت به لبناتها بعد وفاتها – فإنه يُعد من التركة ويحسب ثمنه وقت توزيع التركة ويُضم إلى بقية التركة ويحصل الذكور على ضعف نصيب البنات، ولو لم يكن هناك ميراث آخر غير الذهب فينبغي أن يقسم كله كالتالي:
- للزوج (الأب المريض) ربع التركة (ذهبًا وغيره) لقوله تعالى:
﴿فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ﴾ النساء (12).
- والباقي يقسم على البنات والأبناء للذكر ضعف نصيب أخته امتثالًا لأمره تعالى:
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ النساء (11)
ولو أرادت البنات الاحتفاظ بالذهب فينبغي أن يوزن ويحسب ثمنه ويدفعن للأب والإخوة حقهم نقدًا.
الباحثة: شيماء أبو زيد