السؤال:
ما معنى قوله تعالى “وقرن في بيوتكن”؟ أعلم أن الخطاب واضح وصريح لأمهات المؤمنين، ولكن هل معناه كما في التفاسير ما يعادل السجن داخل البيت لهن وعدم تركه إلا لحاجة؟ وهل هناك من يخرج من بيته لغير حاجة؟.
الجواب:
بيت المرأة في الإسلام مصدر راحتها وكرامتها، لكنه ليس حبسًا يمنعها من ممارسة حياتها الطبيعية خارجه. يقول الله تعالى مخاطبا أزواج النبي:
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]
والخطاب موجه لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن ابتداء، لخصوصية مقامهن من النبي وحتى يستطعن تبليغ الكتاب وتعليم الحكمة للناس فيؤخذ العلم من مكان معلوم. قال الله تعالى مخاطبا إياهن في الآية التي قبلها:
﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 34]
وهذا الخطاب لأمهات المؤمنين لا يعني تحريم خروجهن من بيوتهن، فقد كن يخرجن مع النبي في سفره للجهاد أو الحج أو غير ذلك، وإنما المقصود بقرارهن في البيوت جعل مكوثهن في البيوت غالب على الخروج منها.
وبالرغم من توجيه الخطاب لأمهات المؤمنين إلا إنه يحمل معاني عامة تتعلق بأدب القرار في البيوت للنساء المسلمات عامة.
أصل كلمة “وقرن” من القرار، أي الثبات والاستقرار. والمقصود أن يكون البيت هو أساس حياة المرأة، ولا يعني بحال الحبس والمنع من الخروج منه، بل هو توجيه للنساء بجعل البيت همها الأول باعتبارها مسؤولة عن تدبير شؤونه، وهذا من شأنه أن ينشر القرار والسكينة فيه. ولذلك لم يكلف الإسلام المرأة بالإنفاق على بيتها ولا حتى نفسها، فنفقتها واجبة على زوجها إن كانت متزوجة، وعلى أبيها إن لم تكن متزوجة، فالشقاء خارج البيت قد كتبه الله تعالى على الرجال من بني آدم. انظر إلى تحذيره تعالى لآدم عليه السلام:
﴿فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: 117]
لقد جاء التحذير بالشقاء لآدم دون زوجه. فكما أن تواجد الرجل خارج البيت ضروري لتحصيل المال للإنفاق على الأسرة فقرار المرأة في البيت أساسي لتكوين أسرة مترابطة وقوية ومستقرة.
فالإسلام يحث المرأة على أن يكون بيتها هو الأصل في حياتها، لكنه لا يمنعها من الخروج إذا كان خروجها لحاجة كطلب العلم وزيارة الأقارب وأداء العبادات (كالذهاب للمسجد أو الحج والعمرة) والخروج للعمل وقضاء المصالح والحاجات أو التنزه. لهذا لا يصح القول أن الإسلام يقرر سجن المرأة في بيتها. المحاذير تبدأ عندما يكون هناك مبالغة في الخروج، ومعلوم أن المبالغة في المباحات قد توقع في المحظور.
هل هناك من يخرج من بيته لغير حاجة؟
نعم، قد يخرج بعض الناس (رجالًا ونساءً) من بيوتهم بلا حاجة أو سبب، وهذا مما لا يُستحب سواء للرجال أو النساء، لأن كثرة الخروج بلا سبب فيه مفسدة تضيع الأوقات، وقد يؤدي إلى عدم الاهتمام بالمسؤوليات الأساسية داخل البيت للمرأة والعمل الأساسي بالنسبة للرجل، لهذا جاء الأمر الإلهي:
﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: 19]
أي ليكن لسعيك وحركتك مقصدا وغاية، ويفهم منه ذم المشي والسعي دون هدف وغاية صحيحة.