السؤال:
أريد أن أسأل هل هو حرام أم حلال القيام بعملية تجميل للأنف؟ لدي مشاكل نفسية عويصة مع مظهري body dysmorphic disorder فصرت لا أستطيع أن أعيش حياتي بشكل طبيعي دون أن أفكر كل لحظة بوجهي وعيوبه وكيف يراني الناس وأنهم يظنون أنني قبيحة لدرجة أنني لا أرغب في الخروج من البيت، لهذا أريد إجراء عملية تجميل الأنف لأحسن من شكلي كي أشعر أنني جميلة بالقدر الذي أستطيع به مواجهة العالم من حولي، فهل في هذه الحالة عملية التجميل حرام أم حلال؟.
الجواب:
مما لا شك فيه أن الله تعالى قد خلق الإنسان في أفضل صورة:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ التين (4)
ومعنى قوله (أحسن تقويم) أن الحالة الأصلية التي يخلق عليها الإنسان هي الأحسن والأفضل، وهذا لا يمنع بالطبع أن تكون هناك تشوهات خلقية نتيجة لتعرض الجنين في بطن أمه لنقص في الغذاء أو التلوث البيئي أو التعرض للأشعة الضارة أو غير ذلك، لذا فإن أكثر عمليات التجميل تكون بهدف تقويم التشوهات الخلقية؛ وفي إصلاح هذا العيب الطارئ هو عودة لتلك الخلقة القويمة التي خلقنا تعالى عليها وإعادتها إلى ﴿سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ﴾.
فالسائلة الكريمة أشارت في سؤالها أنها تفكر في كل لحظة بوجهها وعيوبه، مما يدل على أن أنفها فيه عيب لا يتناسب مع مقايس وجهها أي أنه على غير شكله الطبيعي، ويحدث ذلك – كما يشير الأطباء والمتخصصون – نتيجة خلل في الجينات الوراثية، أو مكتسبة نتيجة حادث عارض أو ضربة، كالأنف المائل المنحرف أو المحدب أو الأفطس العريض، وكل هذه التشوهات وغيرها تؤدي إلى وجود مشاكل مرضية (صحية) كصعوبة في التنفس وكذلك مشاكل مرضية (نفسية) نتيجة عدم تناسقها مع ملامح الوجه بسبب وجود نتوءات عظمية أو غضاريف زائدة أو انحراف عظمة الأنف… إلخ
مثلها تمامًا كالمولود بشفة أرنبية أو بحول في العينين، وينطبق الأمر نفسه على عمليات تصغير الثدي وتكبيره حيث أنه في بعض الحالات يؤثر صغره الشديد على نفسية المرأة كما يؤثر كبره الزائد عن الحد على صحتها حيث يكون حملًا على كتفيها وتقوس ظهرها، وكذلك مشكلة التثدي عند الرجال بكبر حجم الثدي لديهم، وهذه الحالات تندرج تحت الخلل الهرموني.
ولو قلنا بحرمة تجميل الأنف لوجب القول بحرمة إصلاح الشفة الأرنبية والعينين والتثدي وغير ذلك؛ إذ أن الجميع مشتركون في وجود تشوهات وعيوب ناتجة عن خلل ما، فهذه الجراحات التجميلية هي عودة بهؤلاء إلى تقويمه تعالى في خلقه وليس تغييرًا أو تبديلًا لخلقه تعالى فلا يندرج تحت قوله:
﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ النساء (119)
ومن ثم فإن إجراء الجراحة التجميلية التي يقصد منها إعادة الخلق إلى أصله القويم ليست محرمة ولا حرج فيها.
وينبغي التنويه إلى أن الأذى النفسي للإنسان لا ينفك عن المرض الجسدي له، وكلاهما معتبر في نظر الشرع، فكما يُفتى بجواز عملية التجميل بقصد رفع الضرر الجسدي فينبغي أن يُفتى بجوازها لدفع الضرر النفسي أيضا. فلا عبرة برأي من حرم عمليات التجميل إن لم يكن الخلل الخلقي يُسبب مشكلة صحية بدنية أو إعاقة الحركة، فالاكتئاب والحزن يؤثران على الصحية الجسدية للإنسان بدليل قوله تعالى:
﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ يوسف (84).
وفي قوله تعالى لكليمه موسى:
﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ النّمل (12)
دليل على أن البهاق وغيره من الأمراض التي تحدث تغييرًا في تقويم الخلق هي من السوء والضرر الذي يصيب الإنسان.
وقد أمرنا الله تعالى بالعلاج والتدواي من الأمراض وإصلاح الخلل، ولنا المثل الأعلى في رسوله أيوب حين أمره بعلاج قروحه وعجزه وأمراضه فقال تعالى له:
﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْۗ، إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا، نِعْمَ الْعَبْدُ، إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ص (44)
أمره بذلك ليزول عنه السوء والضرر بشفاء علله الجسدية بالتدواي وشفاء علله النفسية بإتيانه أهله ومثلهم معهم حين نادى ربه فاستجاب له:
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ﴾ الأنبياء (84).
وبالتالي فإنه لا حرمة ولا حرج على السائلة الكريمة وغيرها رجالًا ونساء من إجراء مثل هذه العمليات؛ إذ أنها لن تغير شكلهم أو تبدله وإنما ستصلح ما نتج عن تشوهات وعلل وراثية أو اختلالات جِينية، وفي إجرائها للعملية فهي لن تغير أنفها أو تبدلها بأنف أجمل ولكنها ستعيدها سيرتها الأولى.
وينبغي التحذير من المبالغة في إجراء عمليات التجميل لتتحول من إعادة الشيء لأصله إلى هوس في تغيير الملامح تشبها بالمشاهير، فهذا من وحي الشيطان وإفساده للفطرة فيجب تجنبه.
وختامًا:
يصح لنا القول بأن في هذه العمليات الضرورية إحياءً للنفس البشرية؛ لأنها تعود بالسعادة والسلامة على الصحة البدنية والنفسية للإنسان وقد تندرج تحت قوله تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ المائدة (32)
ويمكن أن ننظر إليها من منظور قدرته تعالى الذي: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ العلق (2) ولولا أن علمه ﴿بِالْقَلَمِ﴾ العلق (4) لما برع الإنسان في العودة إلى التقويم الأحسن ولما امتلك المهارة لإصلاح ما أفسده بنفسه فهو سبحانه: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ العلق (5).