أ.د عبد العزيز بايندر
أصل كلمة (صلاة) التي هي في الغالب تأتي بمعنى الصلاة المفروضة في اليوم والليلة، هو (صلا) أي لزوم الشيء أو الوقوف “خلف الشيء”[1]، وأن تقف خلف شيء ما يعني لزومه وألا تدير ظهرك إليه. والآيات التالية التي وردت في شأن الذين لا يقومون بما أوجبه الله تعالى عليهم تؤكد هذا المعنى:
﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾[2] [القيامة: 31-32]
الفعل (صدق) في الآية الأولى هو ضد الفعل (كذب) في الآية الثانية، والفعل (صلى) في الآية الأولى هو ضد الفعل (تولى) أي “أدار ظهره” في الآية الثانية، إن إدارة ظهرك لشيء ما يعني الإعراض عنه وعدم الوقوف خلفه. فإذا أراد الله أن نقف خلف شيء ما، أصبح ذلك الشيء هو الواجب الذي يريد الله منا القيام به، وهذا مقتضى “العبودية”. ومن أعرض عن هذا الواجب فقد تولى وارتكب إثما عظيما.
والآية التالية تؤيد بأن معنى كلمة الصلاة هو “لزوم الشيء” أو “الوقوف خلف الشيء”:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]
إن صلاة الله على النبي هي دعمه وتأييده إياه، فلا يتركه ولا يتخلى عنه:
﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: 3]
ومن الآيات التي جاء فيها أن الله تعالى والمؤمنين يؤيدون (يقفون خلف) محمد صلى الله عليه وسلم ما يلي:
﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 62-63]
إن الله يصلي على المؤمنين أيضا، وكذلك الملائكة تصلي عليهم. والآية التي توضح ذلك هي قوله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 43]
ومن الآيات التي تصف نصرة الله وملائكته للمؤمنين ما يلي:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[3]. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ[4] مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ [آل عمران: 123-127]
صلاة الشخص / مقتضى العبودية
الشخص الذي يصلي يسمى “مصلي”، أما واجبات المصلي أو متى يعتبر مصليا فنتعلمها من الآيات التالية:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ[5].
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ[6].
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ[7].
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ[8] مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ[9] فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ[10].
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ [المعارج: 19-35]
الإنسان الذي يتحلى بهذه الصفات الواردة في الآيات لا يُعقل أن يتخلف عن أي واجب عليه القيام به تجاه الله تعالى، وقد تم التركيز بشكل خاص على بعض تلك الواجبات، ومن ذلك أن الله تعالى أوجب على المؤمنين إعطاء جزء من أموالهم للمحتاجين ومقاومة بخلهم، مع الأخذ في الاعتبار أنهم سيكونون مسؤولين أمام الله سبحانه، وهم يحاولون ألا يرتكبوا أي معصية لأنه ليس لديهم أمان خاص من عذاب جهنم، لذلك فإنهم يبتعدون عن العلاقات المحرمة ويحصرون علاقاتهم بأزواجهم سواء كن حرائر أو إماء، كما أنهم يحفظون أماناتهم، ويوفون بوعودهم، ويشهدون بالحق فلا يقولون زورا.
والآيتان التاليتان اللتان وردتا في سياق تبيان صفات المصلين تؤكدان أهمية الصلاة المفروضة في اليوم والليلة:
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 23]
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المعارج: 34]
إن الذي يحرص على الصلاة المفروضة في وقتها ولا ينقطع عنها تحت أي ظرف هو الذي يقوم بواجباته الأخرى دون أي تباطؤ. والشخص المُجد المُحسن هو الذي يسارع في الخيرات ويحاول القيام بها بأفضل طريقة ممكنة. وعندما ننظر إلى الآيات المعنية، يتبين لنا أن الصلاة المتكررة في هاتين الآيتين هي الصلاة المأمور بها خمس مرات في أوقات معينة من اليوم والليلة، التي لا يجوز تركها لأي سبب كان أو تأجيلها حتى خروج وقتها. يقول الله تعالى:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]
تأتي كلمة الطرف بمعنى الطائفة من الشيء أو الناحية منه[11]، وهذا يعني أنه يجب أداء صلاتين في طرفين من أطراف النهار، والزلف مفردها زلفة، وهي الطائفة من الليل قريبة من النهار[12]، وبما أن أقل الجمع في العربية ثلاثة فهذا يعني أن عدد صلوات الليل المفروضة هي ثلاثة، لأن الجمع إذا أطلق فإن الواجب يقع على أقل احتماله وهو ثلاثة، وعلى هذا تقرِّر الآية أن مجموع صلوات الليل والنهار هو خمس صلوات. والآية التالية تتحدث عن أول وآخر صلاة في اليوم والليلة:
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ[13] وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[14]﴾ [الإسراء: 78]
عندما تزول الشمس عن كبد السماء وتتجه نحو الغرب، يبدأ وقت صلاة الظهر، وهي أول صلاة في النهار. وبما أن النهار ينتهي بغروب الشمس، فيجب أداء صلاة العصر قبل غروبها، لأن الآية 114 من سورة هود قد قررت أن صلاتين مفروضتين تقامان في طرفين من النهار.
هناك قسمان من الليل قريبان من النهار، الأول هو شفق المساء، الذي يستمر من غروب الشمس حتى يظلم الأفق الغربي (غسق الليل)، والثاني هو شفق الصباح، الذي يبدأ بالظهور في أعلى الأفق الشرقي صباحاً وينتشر نحو الأسفل، ويدوم حتى تشرق الشمس. ومن الضروري معرفة أن كل قسم منهما يتكون من جزأين. وما يفصلهما هو خط الضوء الأبيض الذي يمتد على طول الأفق الغربي في المساء وعلى طول الأفق الشرقي في الصباح موازيا للخيط الأسود. وهذان الخطان يفصلان بين وقتي المغرب والعشاء في شفق المساء، وبين وقتي السحر (الفجر الكاذب) والصبح (الفجر الصادق) في شفق الصباح.
وبما أن الآيات لم تذكر الوقت الذي يفصل بين المغرب والعشاء، فإنه يمكن الجمع بين هاتين الصلاتين. وينطبق الشيء نفسه على صلاتي الظهر والعصر مع ضرورة مراعاة الترتيب في الجمع[15]، أي أن الظهر تصلى أولا والعصر بعده وكذلك بين المغرب والعشاء. إن عدم تبيان الآيات للوقت الفاصل بين هذه الأوقات هو ما جعل نبينا يجمع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء في المدينة المنورة حتى عندما لم يكن هناك عذر من مطر أو برد أو غيرهما، وكان لنا قدوة في هذه المسألة كغيرها من التطبيقات القرآنية. ومن هنا علمنا سبب عدم جواز جمع صلاة الصبح مع أي صلاة قبلها أو بعده، لأن بداية وقتها وكذلك ونهايته واضحان.
ولما كانت الصلاة واجبة في الأوقات المذكورة أعلاه (النساء 4/103)، فلا يمكن أداء أي صلاة في غير وقتها المحدد[16]، لذا فإنه لا يجوز تفويت الصلاة بأي حال. الاستثناء الوحيد هو دخول الشخص تحت سلطة النوم أو النسيان. ولأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها (البقرة 2/ 286)، فقد قال نبينا الكريم:
“مَن نَسيَ صَلاةً أو نامَ عنها، فإنَّ كَفَّارتَها أنْ يُصَلِّيَها إذا ذكَرَها”[17]
وقد يسر الله تعالى للخائف أداء الصلاة في وقتها. هناك نوعان من الخوف، أحدهما خوف شخصي عام، والآخر هو الخوف من الأعداء أثناء السفر. الآية المتعلقة بالخوف الشخصي هي:
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ[18] كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 238-239]
ولم يحدد الله تعالى طبيعة الخوف هنا، فإذا أحس الإنسان بالخوف من فوات وقت الصلاة بسبب مانع من أدائها على الوجه الصحيح، فيمكنه أن يؤديها ماشياً أو راكبا. فلو كان يركب حصانه أو يقود سيارته في ذلك الوقت، فيمكنه أداء الصلاة بالشكل الذي يستطيعه، فإن أمكنه التوجه إلى القبلة فنعما هو، وإن لم يتمكن صلى دون التوجه إليها.
عندما يكون هناك خوف من هجوم العدو أثناء السفر أو المعركة فإنه يمكن تقليل عدد ركعات الصلاة إلى ركعة واحدة، ومع ذلك لا يمكن أداؤها في غير وقتها. وفي هذا الصدد يقول الله تعالى:
﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا. وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ، وَخُذُوا حِذْرَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: 101-102]
وكما هو واضح، لا يوجد شيء يعتبر سببا مشروعا لترك الصلاة، سوى النسيان والنوم، وهما أمران خارجان عن سيطرة الإنسان، لهذا لم تذكر آية واحدة مشروعية قضاء الصلاة خارج وقتها المقرر.
عاقبة غير المصلين
تعرفنا على صفات المصلين في آيات سورة المعارج. أما سورتا القيامة والمدثر فبينتا المواقف التي سيواجهها غير المصلين في الآخرة، حيث قال الله تعالى:
﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ[19].
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ[20]. كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ[21]. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ[22]. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ[23]. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ[24]. فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى[25]. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى[26]. أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ [القيامة: 24-35]
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[27]. إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ[28]. فِي جَنَّاتٍ[29] يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ[30]. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ[31]. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ[32]. وَكُنَّا نُكَذِّبُ[33] بِيَوْمِ الدِّينِ[34]. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ[35]﴾ [المدثر: 38-47]
صلاة المنافقين
المنافق هو من يتظاهر بالإيمان مع أنه كافر، لذا فإنهم يتصرفون كمسلمين لأسباب خاصة بهم، وبما أنهم كاذبون فإنهم يؤدون الصلاة، أي الواجبات الدينية، للاستعراض فقط. يقول الله تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ. وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ [الماعون: 1-7]
والآية التالية هي واحدة من الآيات المتعلقة بصلاة المنافقين:
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ[36] وَهُوَ خَادِعُهُمْ[37] وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى[38] يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142]
لا يقوم المنافق بالأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة الله تعالى لذا فإنه يقوم إليها متكاسلا متثاقلا، حيث اعتبرت الآية هذا من علامات النفاق.
صلاة النبي محمد عليه السلام
جاء الأمر بالصلاة لنبينا الكريم كما يلي:
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ[39]. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[40]. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر[41]﴾ [الكوثر: 1-3]
نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) قدوة لنا في كل أمر (الأحزاب 33/21). وفي هذه السورة (الكوثر) المكونة من ثلاث آيات رسائل عظيمة تلخص حياته كلها، فالكوثر الذي أعطاه الله إياه يقابل بأن يأتي بكل أوامره على الوجه الذي يرضيه.
الصلاة على المسلمين وغير المسلمين
بعد أن تحدثت آيات سورة التوبة عن سكان المدينة من المؤمنين[42] والمنافقين[43] واليهود والمشركين، أمر الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم بالأمر التالي:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]
الصدقة، التي تُعرف بالزكاة بين المسلمين، هي ضريبة يتم جمعها من كل مواطن غني ولديه ممتلكات، بغض النظر عن هويته الدينية. والتطهير والتزكية المذكورة كهدف لجمع الضريبة لا يعني التطهير من الذنوب وتزكية الفرد من الناحية الدينية، فلا أحد غير الله تعالى يستطيع أن يفعل مثل هذا الشيء[44]. وبما أنه لا يمكن أن يكون هناك إكراه في العقيدة والعبادة[45]، فإن الضريبة التي يتم تحصيلها من غير المسلم الذي يمتلك الأموال الكافية سيساعده على التخلص من همومه الناتجة عن اختلاف هويته الدينية، كما أنها ستدمجه في مجتمعه مما يسهم في تزكيته وتطوره اقتصاديا. وهذا ما كان يمكن أن يفعله محمد (صلى الله عليه وسلم) كحاكم لجميع مواطنيه.
والأمر في قوله تعالى “وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ” يعني ضرورة الوقوف خلفهم ودعمهم نفسيا واقتصاديا، حيث يمكننا أن نتعرف على ماهية هذا الدعم من الآية التي توضح كيفية إنفاق الصدقات المستلمة:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]
وهذه الآية لا تفرق بين أهل الأديان في توزيع الصدقات. والبيان التالي في نهاية الآية مهم جداً:
“فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”
إذا فرض الله أمرا، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن للمسلم أن يفعله هو أن يطيع ما فرض الله تعالى. جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أعطني من مال الله الذي أعطاك، فقال له النبي: “إن الله تعالى لم يرْض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو؛ فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء؛ أعطيتك حقك”[46]
الفقير هو من يتجاوز دخله حد الجوع، ويستطيع أن يسد احتياجاته الأساسية، لكنه لا يعتبر غنيا لأنه لا يملك ما يزيد عن حاجاته الأساسية. فإذا تم دعم هؤلاء، فيمكنهم الوصول بسرعة إلى مستوى يمكنهم من خلاله إنتاج السلع والخدمات وتقديم الصدقات، وبما أنهم يتعففون ولا يسألون غيرهم بأن يساعدهم، فيُستحب أن تقدم لهم الصدقة سراً (البقرة 2/ 271).
والمسكين هو من كان دخله دون حد الجوع، وهو عاجز، وحاجته ظاهرة من كل وجه، فلا بأس من تقديم المساعدة لهم علنا.
والعاملون عليها (الصدقات) هم المسؤولون عن جمع الصدقات وتوزيعها، وهؤلاء يأخذون من الصدقات ما يسد حاجتهم.
والمؤلفة قلوبهم هم الأشخاص الذين يُرجى منهم النفع للمجتمع أو دفع ضررهم المتوقع. ومن خلال دعم هؤلاء، يتم تمهيد الطريق للتنمية الاجتماعية، وذلك بتحويل هؤلاء من عناصر هدم إلى عناصر بناء.
أما الرِّقاب فهم الذين فقدوا حريتهم، حيث يأتي أسرى الحرب في المقام الأول، وقد نص القرآن على أن يطلق سراحهم منّا (دون مقابل) أو بفدية (محمد 47/4). إذا كان الشخص الذي أخذ الأسير كغنيمة حرب لا يريد إطلاق سراحه دون فدية وكان ذاك الأسير لا يستطيع دفعها، فسيتم دفع فديته من صندوق الرقاب وسيتم إطلاق سراحه. كما يتم الإنفاق من هذا الصندوق لإنقاذ الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد في أنحاء مختلفة من العالم (النساء 4/75).
والغارمون هم الذين أثقلتهم الديون، وهم أحد الأصناف المستحقة للصدقات، ومن المهم أن يكون هؤلاء فئة منفصلة عن الفقراء والمعوزين لأنهم في الأصل ليسوا كذلك، وإنما طرأت ظروف عمل اضطرتهم للاستدانة، وبما أنه لا يجوز أخذ الصدقة من أصول العمل كان لا بد من إيجاد مخرج لهم. فإذا كان مثل هذا الشخص عليه دين ولكنه لا يستطيع سداد دينه، فسيتم سداد دينه من الصدقات. وبهذه الطريقة يتحررون هم ودائنوهم من المتاعب الاقتصادية والنفسية ويصبحون قادرين على إنتاج السلع والخدمات. وهذا سوف يسهم بشكل كبير في الحيوية الاقتصادية لهذه الفئة وللسوق بشكل عام.
والإنفاق في سبيل الله يشمل نفقات الأمن الداخلي والخارجي (البقرة 2/ 195)، وكذلك نفقات الدراسات العلمية والخدمات العامة (البقرة 2/ 273). وبهذه الطريقة يتم تحقيق التطور العلمي وخلق بيئة من الثقة والرضا بسبب تحقق الأمن الشخصي والجماعي.
إن رعاية ابن السبيل تتطلب الإنفاق على بناء الطرق والمحافظة على أمنها وسلامتها، وتوفير خدمات الإقامة للمسافرين، لأن سلامة الطرق أمر لا بد منه للحركة الاقتصادية النشطة. وقد ضرب الله تعالى لهذه المسألة مثلا في الآية التالية:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112]
اعتبرت الآية أن وصول السلع لتلك القرية دليل على كونها آمنة مطمئنة، فلما كفرت بأنعم الله تعالى فقدت الأمن الداخلي والخارجي بأن لم تعد الطرق المؤدية إليها آمنة، ولهذا صاروا يعانون من الجوع والحرمان.
طلب المساعدة من الله بالصبر والصلاة
الصبر والصلاة شرطان لطلب العون من الله تعالى. والصبر يعني ضبط النفس بما يقتضيه العقل والدين[47]، أي الثبات على المبدأ وعدم تغيير الوجهة، أما الصلاة فهي القيام بالواجب. قال الله تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ، بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ[48]. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ[49] وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ[50]، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 153-157]
أما سبب استجابة الله تعالى لصلاة العبد ومكافأته فنتعرف عليه من الآية التالية:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[51]﴾ [النساء: 40]
ولكي تتحقق أمنياتنا، علينا أن نقوم بما كلفنا الله تعالى به من الصبر والصلاة، أي بالثبات على المبدأ ومداومة العمل على الوجه الصحيح. وإلا فإن الدعاء المجرد عن الصبر والصلاة لا يغير الواقع، ولن يحصل المقصر بهما على شيء. يقول الله تعالى:
﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة: 200-202]
وكون ما يحصل عليه كل فريق هو نصيب من كسبه يدل على أن الدعاء وحده لا يكفي للحصول على ما تريد، وأن الصبر والصلاة أي الثبات على المبدأ والقيام بالدور المنوط بك أمران ضروريان للوصول إلى الهدف.
من السهل على المرء أن يدعو، لكن من الصعب أن يتحلى بالصبر ويقوم بدوره. نتعلم ذلك من الآية التالية:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 45-46]
المصلى/ الأماكن التي تتم فيها عبادة الحج
دُمرت الكعبة في طوفان نوح عليه السلام، وعلى أثر ذلك اختفت أماكن/مناسك الحج. وبعد أن أعاد إبراهيم مع ابنه إسماعيل (عليهما السلام) بناء الكعبة على أساسها القديم طلب إبراهيم من الله تعالى أن يريه أماكن الحج فأراه الله إياها (البقرة 2/ 128، 196) وقد أطلق القرآن الكريم على تلك الأماكن التي تؤدى فيها عبادة الحج اسم (مقام إبراهيم). إحدى الآيات ذات الصلة هي قوله تعالى:
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]
مقام إبراهيم ليس كما يُعتقد بأنه المبنى الصغير المحمي في إطار بجوار الكعبة. إن كلمة مقام تعني مكان الإقامة، وبما أن كلمة مقام ليس لها جمع في اللغة العربية، فهي تستخدم بالمفرد والجمع. ونتعلم من الآية التالية أن المقام هنا له معنى الجمع:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: 96-97]
الأماكن التي سماها الله تعالى (مصلى) هي عرفات ومزدلفة ومنى والكعبة والصفا والمروة حيث يتم أداء فريضة الحج.
الخاتمة
كتب التفسير وترجمات القرآن إلى اللغات المختلفة كثيرا ما تعطي كلمة “صلاة” معنى الصلاة التعبدية المعهودة. لكن إعطاءها هذا المعنى باستثناء آيات قليلة[52] يؤدي إلى تضييق كبير في المعنى. ويمكن أخذ الآيات التالية من سورة البقرة كأمثلة:
﴿الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ[53] لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ[54] وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 1-5]
كثيرا ما تفسر الصلاة والزكاة هنا بأنهما العبادتان المعروفتان. وعندما تعطى الصلاة معنى “العبادة المعروفة” فإنه يتم استبعاد الأوامر والنواهي الأخرى التي جاء بها التشريع الإلهي. أما إذا كان معنى “ويقيمون الصلاة”: يقومون بما وجب عليهم من التشريعات، فإنه لا يبقى إشكال.
وقد حُمِّلت كلمة “صلاة” معانٍ متناقضة في الآية التالية:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]
في التفسير التقليدي فإن صلاة الله على النبي هي تطهيره وتزكيته، وصلاة الملائكة هي الدعاء والاستغفار له، أما صلاة المؤمنين عليه فهي الدعاء له وتزكيته والثناء عليه. وعندما يتم تفسير الآية على هذا النحو يظهر ما يلي:
“إن الله يزكي هذا النبي ويطهره، والملائكة تستغفر له. يا أيها الذين آمنوا أنتم أيضاً طهّروه وزكوه، وادعوا له، وأتموا له السلامة والأمن”.
من المخالف لقواعد اللغة إعطاء معنيين مختلفين لجملة واحدة. فإذا طهره الله وزكاه فكيف يمكن للمسلمين تطهيره وتزكيته؟
والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن جميع المسلمين الذين استمعوا لهذه الآية استجابوا لأمر الله بالصلاة على النبي على النحو التالي:
“اللهم صل على محمد وعلى آل محمد”
كما ترى فإن المسلمين يردون أمر الله إليه حرفيا ويظنون أنهم يطيعون أمره. ولو أن المفسرين راعوا المعنى المعجمي لكلمة (صلاة) فلما حصل إشكال. والمعنى الصحيح المنسجم مع قواعد اللغة هو كما يلي:
«إن الله وملائكته يصلون على النبي (ينصرونه ويؤيدوه) يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه (انصروه وأيدوه) وسلموا تسليما (وأتموا له السلامة والأمن). (الأحزاب 33/56) .
وأخيرا أدعو الله تعالى أن يوفق المسلمين لتصحيح المعاني الخاطئة لكلمة “صلاة” والعديد من الكلمات الأخرى في القرآن وأن يبتعدوا عن هذه الأخطاء ليستقيم لهم فهم مراد ربهم من كتابه فتستقيم حياتهم ويفوزون برضوان ربهم سبحانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] لسان العرب، مادة صلا
[2] انظر الآيات المتعلقة: (طه 20/48، المدثر 74/17-25، 42-47، الليل 92/8-16).
[3] هذه الآية دليل على أن الشكر يعني أداء الواجب
[4] كما حصل في أحد
[5] وبما أنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة في الآية، فهذه الآية دليل على أن الحائض والنفساء تجب عليهما الصلاة أيضا. وإلا فلا يكن من المحافظين على الصلاة (البقرة 2/ 222، المعارج 70/ 34).
[6] الجميع، بما في ذلك أنبياء الله، لا يمكن إنقاذهم من العذاب إلا مقابل أعمالهم التي كلفهم الله تعالى بها. وما عدا ذلك فلا أحد موعود بالحماية من العذاب في الآخرة؛ لأن احتمال الضلال يبقى قائما ما دام الإنسان على قيد الحياة. والواجب هو عبادة الله حتى آخر لحظة في العمر (النساء 4/ 172، الحجر 15/99، الزمر 39/65-66، الأحقاف 46/9، الملك 67/16-17). روي عن نبينا الكريم أنه قال لابنته فاطمة: “اطلبي من مالي ما شئت؛ ولكني لا أغني عنك عند الله» (البخاري، السورة 11).
[7] المؤمنون 23/5، النور 24/30-31، 58، الأحزاب 33/35.
[8] لفظ “أو” في الآية يدل على أن المسلم لا يجوز له أن يكشف عورته أمام غير زوجته الحرة أو الأسيرة. ومن أجل كشف العورة عند العبد/الأمة لا بد من الزواج منه/ا (النساء 4/3). وبما أن المرأة لا يمكن أن تتزوج إلا بزوج واحد (النساء 3/24)، فلا يمكنها أن تكشف عورتها إلا بحضور زوجها الحر أو الأسير. وينطبق وضع مماثل أيضا على الرجال. لا يجوز للرجل أن يتزوج بامرأتين في وقت واحد، إحداهما أسيرة والأخرى حرة. لأن الشرط الأساسي للزواج بالأمة/الأسيرة هو عدم القدرة على الزواج بالحرة (النساء 4/ 25). ولهذا السبب يستطيع الرجل أن يكشف عورته أمام زوجته، سواء كانت حرة أو أسيرة، ومثله المرأة أمام زوجها سواء كان حرا أم أسيرا،. ولهذا ورد لفظ “أو” في الآية. ورغم أن كل شيء واضح تمامًا، إلا أن جميع المذاهب وكتب التفسير، إما عن طريق تحريف معنى الآيات ذات الصلة (النساء 4/3، المؤمنون 23/6، النور 24/32-33) أو تجاهلها، تبيح للرجل أن يكون له محظيات بلا حدود في العدد دون عقد النكاح الصحيح سواء كان متزوجا من الحرة أم لا، وحاولوا استباحة ذلك بإعطاء معنى “و” التي تفيد العطف والمشاركة لـ ” (أو)” التي تفيد التخيير دون المشاركة في هذه الآية وفي آية (المؤمنون 23/6)، وفي الآية بيان لما يمكن إظهاره من العورة، سواء بحضور الزوج الحر أو بحضور الأسيرات/ملك اليمين، دون حاجة إلى الزواج، وقد أعطوا معنى أنه يمكن التخفيف من اللباس أمام ملك اليمين بأنه يمكن معاشرتهن بدون عقد النكاح. وعلى الرغم من أن الأسرى الذكور قد دخلوا بالفعل في نطاق عبارة “مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ” في الآية، إلا أنهم قصروا دلالة الآية على الأسيرات التي اتخذن للمتعة “المحظيات” بدون دليل. وإلا فإن المعنى الذي أعطوه سيكون دليلاً على أنه يمكن للمرأة المسلمة أن تعاشر الأسرى الذكور الخاضعين لسيطرتها بدون عقد نكاح وبدون عدد أيضا. وهذا تحريف عظيم.
[9] الوحيدون الخاضعون للسيطرة (ملك اليمين) هم أسرى الحرب (النساء 4/3، 24، 25، المؤمنون 23/6، النور 24/32-33، الأحزاب 33/50-52).
[10] المؤمنون 23/7.
[11] لسان العرب، مادة طرف
[12] المصدر السابق ، مادة زلف
[13] غسق الليل يعني “ظلمة الليل” وكذلك “برد الليل” (لسان العرب). عندما تنسحب أشعة الشمس تمامًا من مكاننا أي عندما يختفي تأثير ضوء الشمس على المكان الذي نعيش فيه، فهذا يعني أن الوقت الأكثر برودة في اليوم قد بدأ. وفي هذه الأثناء، يصبح بعد الشمس عن الأفق 18 درجة على الأقل، وعندها تبدأ النجوم المضيئة في الظهور بشكل خافت. وفي الأماكن التي لا تغرب فيها الشمس (الأماكن القطبية)، يكون غسق الليل هو الوقت الذي يُشعر فيه ببرودة الليل. عندما سُئل عبد الله بن عمر عن الشفق، قال “هو ذهاب البياض”. ولما سئل عن الغسق، الذي هو حلول الظلمة، أجاب بأنه “هو زوال الحمرة” (أبو داود، الصلاة 6). فعندما يختلط الحزام الأبيض بالأحمر عند الافق الغربي يدخل وقت العشاء. هذه الطبقة الرقيقة تبدأ في البداية كقبة ثم تختفي، والأفق يصبح مظلماً تماماً. في هذا الوقت يبدأ وقت العشاء الذي يُعرَف أيضاً بأنه وقت الغسق، أو أبرد وقت في الليل.
[14] الكلمة التي نعطيها معنى “الجمع” هي “قرآن” المشتقة من “القُرْء” أو “القرْء” وهو مصدر الفعل “قرأ” ؛ ومعناها الجمع والضم. يتم استخدامها كمصدر وكذلك كاسم بمعنى الكلي والمجموع. وسبب تسمية الله كتابه بالقرآن هو أنه جمع السور كلها وضمها معًا (لسان العرب) و”قرآن الفجر” هو المعترض الأحمر في الأفق الشرقي، الذي يعلوه الشريط الأبيض بينما يكون الشريط الأسود تحت الأفق، فالفجر يفصل بينهما بخط عريض يتغير لونه وفقًا للمسافة التي يسلكها الضوء في الغلاف الجوي(البقرة 187)، ووفقاً لهذه الآية فإن أوقات الصلاة لها ثلاث خصائص ثابتة: 1) دلوك الشمس، أي تحولها من ذروتها في كبد السماء إلى الغرب: وهذا يمكن اكتشافه بسهولة في أي مكان في العالم وفي كل موسم. وفي هذه الأثناء يبدأ وقت صلاة الظهر. 2) غسق الليل: عندما تختفي أشعة الشمس تماماً فيحل الظلام ويبدأ الجزء الأكثر برودة من الليل. في الأماكن التي تحدث فيها الليالي البيضاء، لا يوجد ظلام، ولكن اشتداد برودة الجو ينبئ عنه. 3) قرآن الفجر هو الموضح أعلاه وهذا الوقت يرى بالعين المجردة، البقرة 2/ 187. وبما أن هذه السمات الثلاث الثابتة يمكن ملاحظتها في جميع الفصول وفي جميع أنحاء العالم، فإنه يمكن ملاحظتها في المناطق القطبية حتى عندما تكون الشمس أعلى بكثير من الأفق. ولم يذكر في الآية إلا مرور الشمس بالزوال. ولو استعملت عبارتا الشروق والغروب لاستحال تحديد أوقات الصلاة والصيام في المنطقة القطبية،.
[15] مسلم، صلاة المسافرين، باب ٦، الحديث رقم ٤٩-(٧٠٥)
[16] ولهذا لا يجوز أداء أي صلاة خارج الوقت المحدد لها.
[17] البخاري (597)، ومسلم (684)
[18] الذكر هنا التعبير عن المعرفة الصحيحة. والاسم الشائع للآيات والأدعية التي تتلى أثناء الصلاة هو الذكر. كيفية التلفظ بهذا الذكر في كل ركعة أوردته سورة النساء 4/ 103. وفي سورة ق 50/40. شرحت الآية الجلوس بين الركعات أيضاً
[19] يونس 10/27، الزمر 39/60، عبس 80/40-42، الغاشية 88/2-3.
[20] فاطر 35/36
[21] الواقعة 56/83-85.
[22] النساء 4/97، الأنعام 6/61، 93، النحل 16/28، السجدة 32/11، الواقعة 56/86-87.
[23] ق 50/19.
[24] القيامة 75/12.
[25] طه 20/48، المدثر 74/17-25، 42-47، الليل 92/8-16.
[26] الانشقاق 84/13، المطففين 83/29-33.
[27] الطور 52/21.
[28] الواقعة 56/27.
[29] الواقعة 56/28-40، 90-91
[30] الصافات 37/50-57.
[31] يس 36/47.
[32] التوبة 9/ 65، 69، الطور 52/ 11-14
[33] المطففين 83/10-17.
[34] الدينُ: الجزاءُ والمكافأةُ. يقال: دانَهُ ديناً، أي جازاه. يقال: ” كما تَدينُ تُدانُ “، أي كما تُجازي تُجازى، أي تُجازى بفعلك وبحسب ما عملت (الصحاح تاج اللغة) وفي القرآن أيضا، الدين يعني النظام الذي يقبله الناس ويعدون بالعيش وفقًا له (آل عمران 3/19، الكافرون 109/6). وإذا كان هذا الدين هو دين الله، فإن الذي يسجد له ويُطاع هو الله الذي ينتظر منه الأجر. و”يوم الدين”” هو اليوم الآخر الذي يحصل فيه جزاء ما عمل العبد في الدنيا” (النور 24/ 25، الصافات 37/ 19-20، ص 38/ 78، الذاريات 51/ 6، 12-). 13، الواقعة 56/56، المعارج 70/26، الانفطار 82/9، 15-19)
[35] الحجر 15/99، المؤمنون 23/99-100.
[36] معنى كلمة (الخداع) في الآية هو التضليل بطريقة مخططة (المفردات). وموقف اليهود من نبينا مثال على ذلك (البقرة 2/75-79 و90). وكل من أعطى معاني مختلفة للآيات التي لا توافق حساباته فيضل ويضل فهو داخل في هذا النطاق.
[37] البقرة 2/9.
[38] التوبة 9/54.
[39] الذي أعطاه الله تعالى لنبيه ولأمته وفيه كل الخير هو القرآن. يقول الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89]
[40] النَّحْرُ يعني الصدر (لسان العرب). ومن قام في الصلاة يسمى “قد نَحَرَ” (العين). وبما أن التقدير في الآية “وَانْحَرْ لِرَبِّكَ”، فلا بد من إعطاء معنى “قم لربك”. وقد جاء في الآية التالية ما يؤيد هذا المعنى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ .. هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج 22/78).
إن غرس السكين في حلق البعير الواقف وقطعه يسمى “النحر”. وبما أن الجمل يُضحى به أيضًا، فإن الأمر “وانْحَر” يمكن أن يُعطى معنى “التضحية”. لكن سورة الكوثر قد نزلت بمكة، والأضحية شرعت بالمدينة (الحج 22/36-37). كما أن التضحية ليست خاصة بالإبل فحسب، بل يمكن أيضًا التضحية بالغنم والماعز والأبقار (الحج 22/34). ولهذا السبب لا يمكن تفسير الأمر بالنحر في الآية على أنها “التضحية”.
[41] سيتم نسيان الكافرين في الآخرة، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ (المؤمنون 23/101).
[42] التوبة 9/71-72، 88-92، 99-100
[43] التوبة 9/ 61-70، 73-87، 93-98، 101-102.
[44] النساء 4/49، القصص 28/56.
[45] البقرة 2/ 256، الأنعام 6/ 91، 112، الأعراف 7/ 186، الحجر 15/ 2-3
[46] سنن أبي داوود، الزكاة، برقم 1389
[47] مفردات الراغب، مادة صبر
[48] إن حياة الذين قتلوا في سبيل الله ليست حياة يمكن أن نفهمها (آل عمران 3/169)
[49] البقرة 2/214، آل عمران 3/186، الأنبياء 21/35، العنكبوت 29/2-3، محمد 47/31.
[50] والله تعالى يجزي الحسنات بأحسن منها (النحل 16/ 97). إن الشخص الذي يركز على اجتياز اختبار الله بصبر عظيم فإنه يستحق دعمه ومساعدته.
[51] البقرة 2/261.
[52] وردت كلمة الصلاة بمعنى الصلاة المفروضة في اليوم الليلة في الآيات التالية: البقرة 2/238-239، النساء 4/101-103، الإسراء 17/78، هود 11/114، طه 20/14، لقمان 31. /17، الأحزاب 33/33، الجمعة 62/9-10، المعارج 70/23، 34. البينة 98/5.
[53] آخر كتاب أخبرنا عنه الأنبياء الذي يجب على الجميع الإيمان به والعمل به هو القرآن (البقرة 2/ 40-41، 75-77، 89-91، 97-102، آل عمران 3/2، 81، النساء). 4/47، المائدة 5/48-49، الأنعام 6/92، فاطر 35/31، الأحقاف 46/29-32).
[54] اللاحقة (ال) في كلمة (الغيب) التي نعطيها معنى “القلب” هي عوض من مضاف إليه، أي أنها تحل محل المتممة وتعطي معنى كلمة “بغيبهم”. إن باطن الإنسان لا يُرى لغير الله. ولما كان الإيمان مشروطا بالتصديق بالقلب، فلا يمكن لأحد أن يعرف هل يؤمن أحد حقا أم لا (القصص 28/56، كاف 50/16-18). ولهذا السبب لا يمكن إجبار أحد على قبول اعتقاد أو إنكاره (البقرة 2/ 256). والكفر من الستر، والكافر يعني الذي يستر. ويسمى المزارع حرفياً كافراً لأنه يغطي البذر بالتراب (الحديد 57/20). والكفر هو اعتناق الكذب وستر الحق بعد رؤية الأدلة (البقرة 2/39، 209، 213، آل عمران 3/105-106).