إقتداء المفترض بالمتنفل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
كثيرا ما يتساءل الناس عن حكم اقتداء من يصلي الفرض بمن يصلي النافلة، وقد اختلف الفقهاء ما بين قائل بالمنع وقائل بالإباحة مطلقا، وقائل بالإباحة مع الكراهة، وقائل بالإباحة وقت الحاجة دون غيره، وفيما يلي نستعرض الأدلة من القرآن والسنة لنتبين الحكم في المسألة معتمدين منهج التوافق بين الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ( النساء، 102) يُفهم من الآية أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمجموعتين؛ فصلاته بالمجموعة الأولى كانت فرضا وبالمجموعة الثانية هي نافلة، وهذا يعني أنّ المفترضين قد صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو متنفل.
الأحاديث الشارحة للآية
1_ عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: (صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضُهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ)[1]
وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مِنْ صِفَات صَلَاة الْخَوْف أَنْ يُصَلِّي الْإِمَام بِكُلِّ طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ فَيَكُون مُفْتَرِضًا فِي رَكْعَتَيْنِ وَمُتَنَفِّلًا فِي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قِيَاس صَحِيح[2] .
2_ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وُجُوهُهُمْ قِبَلَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامُوا مَقَامَ الْآخَرِينَ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ [3].
3_ حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن عمرو قال سمعت جابر بن عبد الله قال: (كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذا تناول منه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال فتان فتان فتان ثلاث مرات أو قال فاتنا فاتنا فاتنا وأمره بسورتين من أوسط المفصل قال عمرو لا أحفظهما[4] .
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اِقْتِدَاء الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْل ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر فِي حَدِيثِ الْبَابِ زَادَ " هِيَ لَهُ تَطَوُّع وَلَهُمْ فَرِيضَة " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رِجَاله رِجَال الصَّحِيحِ[5] ،
يقول ابن رجب : ومما يقوي حَدِيْث معاذ : حَدِيْث النَّبِيّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ صلى صلاة الخوف بطائفتين، بكل طائفة ركعتين ، ولا أعلم شيئاً يدفع هَذَا .وحديث صلاة الخوف قَدْ خرجه البخاري من حَدِيْث جابر[6] .
وقد تمسك البعض بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ { إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي ، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ } حيث ادعى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ : إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّيَ مَعَ قَوْمِكَ ، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّيَ مَعِي . وَيُرَدّ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي هَذَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ وَالصَّلَاةِ بِقَوْمِهِ مَعَ التَّخْفِيفِ وَالصَّلَاةِ مَعَهُ فَقَطْ مَعَ عَدَمِهِ[7]
4- روى البخاري قال حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم. وقال معاذ حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل فذكر صلاة الخوف قال مالك وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف[8]
ليس في الحديث ما يدل على عدم جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، وليس فيه ما يثبته، وقد ساقه البعض للدلالة على كيفية صلاة الخوف، وحصرها بهذه الكيفية، والصحيح أنه لا ينبغي حصر صلاة الخوف بهذه الكيفية فقط، بدليل ثبوتها بكيفية أخرى.
5_ حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإن صلى قائما فصلوا قياما)[9] ووجه الدلالة في الحديث أن مهمة الإمام هي قيادة الجماعة وتوحيد أفعالهم في صلاتهم، واتفاق النية بين الإمام والمأموم ليست بشرط لصحة صلاة الجماعة، وقد تمسك البعض بزيادة في رواية أخرى للبخاري وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) ونحن نفهم من هذا أنه لا ينبغي مخالفة الإمام بأفعال الصلاة. والدليل قوله عليه الصلاة والسلام بعد ذلك (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإن صلى قائما فصلوا قياما) فذكر المقصود من نهيه عن الإختلاف، ولو فهمنا الإختلاف بالنية، لما صحّ أن يصلي متنفلٌ خلف مفترضٍ أو مقيمٌ خلف مسافرٍ وهو ما لم يقل به أحد.
الخلاصة
لا بأس بصلاة المفترض خلف المتنفل وخصوصا إذا كان المتنفل أقرأ أو أعلم وقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة فأجاب:
هذه المسألة هي " مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل " فإن الإمام كان قد أدى فرضه فإذا صلى بغيره إماما : فهذا جائز في مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه . وفيها قول ثالث في مذهب أحمد : أنه يجوز للحاجة ولا يجوز لغير حاجة . فإذا كان ذلك الإمام هو القارئ وهو المستحق للإمامة دونهم ففعل ذلك في مثل هذه الحال حسن والله أعلم[10] .
[1] سنن أبي داوود، باب من قال يصلي كل طائفة ركعتين، 1057. سنن الدار قطني، باب صلاة الخوف وأقسامها، 1802. صحيح ابن حبان، باب صلاة الخوف، 2943
[2] عون المعبود 3/199
[3] سنن النسائي، 1536. مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الصلاة، 16
[4] صحيح البخاري، باب إذا طول الإمام، 660. مسلم ،باب القراءة في العشاء، 709. سنن أبي داوود، باب من يؤم بقوم وقد صلى، 508. صحيح ابن حبان، باب الحدث في الصلاة، 2445. صحيح ابن خزيمة، باب إباحة ائتمام المصلي فريضة بالمصلي نافلة، 1543. ولفظ الحديث للبخاري
[5] فتح الباري لابن حجر، باب إذا طول الإمام، 3/45
[6] فتح الباري لابن رجب، كتاب الصلاة، 711
[7] نيل الأوطار، باب اقتداء المفترض بالمتنفل 126
[8] صحيح البخاري، غزوة ذات الرقاع، 3817
[9] رواه الستة، واللفظ للبخاري، باب يهوي بالتكبير حين يسجد،763
[10]مجموع فتاوى ابن تيمية، باب مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل، 5/364
يصح اقتداء من يصلي نافلة بمن يصلي فريضة
جزاك الله خيراً على هذه المعلومات مع الأدلة
جزاك الله خيراً على هذه المعلومات مع الأدلة * لو ارسلتم لي الدلائل في هذه المسألة يعني رجل قائم يصلي وجاء شخص آخر واقتدا خلف هذا المصلي لو ارسلتم لي الدلائل المتعلقة بهذا المسألة فهذا أحسن وجزاكم الله خير
روى البخاري قال حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم. وقال معاذ حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل فذكر صلاة الخوف قال مالك وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخو؟&؟وهل يصح الدليل بهذا الحديث لهذه المسألة رجل قائم يصلي وجاء شخص آخر واقتدا خلفه
هذا مما لا شك فيه، ويطلق على ذلك صلاة المسبوق، فمتى أدرك الشخص جماعة فإنه يستطيع الالتحاق بها والاقتداء بإمامها، وبعد أن يسلم الامام فإنه يكمل ما فاته من صلاته.