علاقة النوم بالموت
قال الله تعالى: «وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى» (الأنعام، 6/60).
والقِيامة في اللغة من قام يقوم قياما. والبعث بعد الموت كالقيام من الفراش، ونفخ الصور كالمنبه للإستيقاظ من النوم. قال الله تعالى: «ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا» (يس، 36/51-52).
قال الله تعالى: «فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون» (البقرة، 2/73). وهذه الآية تتحدث عن إحياء من مات حديثا وجسمه لم يفسد بعد. فقد أصلح الله تعالى بقدرته ما اعترى على أعضاء الميت من الخراب ثم أعاد إليه روحَه. كذلك يُحيي الله تعالى الموتى من جَديدٍ؛ يُحيي الجسد أولاً، ثم يعيد إليه روحه كأنه قام من النوم.
والإنسانُ مخلوق من طينٍ. قال الله تعالى: «الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين» (السجدة، 32/7-8).
والطينُ هو الترابُ المُختَلط بالماء،[1] وبدون اختلاط الماء بالتراب لا تحصل الحياة. وعلى هذا النظام تتكون كل المواد الغذائية. فكل إنسان خلق من تراب وليس أبونا آدم فقط، بل البشرية جمعاء. ومن جوهر الأغذية يتكون بذر الإنسان الذي يَتكون في رحم المرأة، وينمو بالأغذية كذلك، ويتغذى من التراب حتى يتوفاه الموت، وما انفصل من الإنسان يصبح ترابا، والخلق الجديد كذلك يكون من التراب، فيخرج الإنسان من التراب كما يخرج النبات. قال الله تعالى:« منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى » (طه، 20/55).
أ. روح الإنسان
وحين يبلغ الإنسان في رحم أمه إلى قوام معينة ينفخ الله فيه الروح. قال الله تعالى:«ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون» (السجدة، 32/9).
ب. الموت والنوم
الجسد للروح كالبيت، فإذا نام الجسد تخرج الروح، وإذا استيقظ عادت إليه من جديد. وجسد الميت كالبيت المنهدم لا ترجع إليه الروح حتى يُعاد بناؤه من جديد. يوضح هذا قوله تعالى:«الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى» (الزمر، 39/42).
يرد في الآية كلمة الموت وكلمة النوم، ومما ينبغي معرفته أنّ في الإنسان نفسان: إحداهما تتوفى والأخرى تنام وتموت. وحين نقيم العلاقة بين الآيات على شكل صحيح نرى أن النفس التي تنام وتموت هي الجسد أما النفس التي تتوفى فهي الروح.
والوفاة من وفى، والوفى هو استكمال الشيء. وتوفى، انهى عمله. ويأخذ الله تعالى الروح أثناء النوم لأنها لا تعمل حينذاك.
والموت، هو غياب الحيوية. والذي ينام ويموت إنما هو الجسد، والروح لا تموت ولا تنام. والإنسان مركب من روح وجسد. ويقال على كل منهما نفس. ويذكر القرآن الكريم هذا الحوار الذي تجريه الروح بعد انفصالها عن الجسد: فيقول تعالى: « حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون » (المؤمنون، 23/ 99-100). أول إجتماع للروح مع الجسد يكون في بطن الأم. قال الله تعالى: « والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير » (الفاطر، 35/11). ويتكرر هذا الإجتماع حين يخلق الجسد من جديد يوم القيامة. ويقال عنه «وإذا النفوس زوجت» (التكوير، 81/7)
والنوم ضرورة لراحة الجسد، فكذلك الموت ضرورة للجسد الذي سيعاد على شكل لا يفسد، ولا يهرم ولا يَمرَض، ولا يَفنَى. أي لائقًا بحياة الآخرة الأبدية. ويحسب الإنسان أن هذا الأمر قد تم في لمحة بصر. قال تعالى: «وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب» (النحل، 16/77).
والبعث يكون في هذه الدنيا وعندئذ تزوج النفس مع الجسد. ويشعر الإنسان كأنه قام من نومه. قال الله تعالى: «ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون. قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون» (يس، 36/51-52). النوم هو الموت بالنسبة لحاسة الإنسان. والآيات السابقة تدل على ذلك.
أضف تعليقا