أخذ الميثاق من اليهود
قال الله تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ» (البقرة، 2/93).
وقد قلنا في معنى قوله تعالى: «سمعنا وعصينا» سمعنا وأخذنا بقوة. ولكن نجد في كتب التفسير كلها أنها بمعنى “سمعنا وخالفنا أمرك” هذا هو المعنى المتبادر إلى الذهن.
فلنتصور الموقف، أن الله تعالى قد رفع الطور (الجبل الكبير) فوق بني إسرائيل، وقال لهم «خذوا ما آتيناكم بقوة» هل يمكن أن يقال في هذه الحالة «سمعنا وخالفنا أمرك».!؟
ونفهم حالة الجبل واضحا من الآية التالية: قال الله تعالى: «وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (الأعراف، 7/171).
نفترض أنهم قالوا: “عصينا أي خالفنا أمرك” فكيف يمكن أن يقال؛ أنه أخذ منهم الميثاق؟ والله تعالى يبين أنه قد أخذ منهم الميثاق.
وتنتهي الآية بقوله تعالى: «وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ » فلا يقال هذا الكلام لمن قال “سمعنا وعصينا أي خالفنا أمرك”.
وعلى ذلك، عندما نفسر قوله تعالى: «سمعنا وعصينا» علينا أن نقف على كلمة “عصينا”. العصا المعروف؛ هو ما يُتكأُ عليه. وعصى: أَمسك بها أو ضرب بها. وروى الأصمعي عن بعض البصريين قال: سميت العصا عصا لأن اليد والأصابع تجتمع عليها… وقال أبو عبيد: وأصل العصا الإجتماع والائتلاف … والعصيان خلاف الطاعة، عصى العبد ربه إذا خالف أمره.[1] وكلا المعنيين موجود في كلمة “العصا”. ولو قلت عصيت على شيء فمعناها أخذته بقوة. ويمكنك أن تضرب به على رأس أحد. وهو استعمال العصا بمعنى مخالفة الأمر.
وعلى هذا المعنى الأخير جاء قوله تعالى: «سمعنا وعصينا» بمعنى: «سمعنا وخالفنا أمرك»، كما يَأتِي بمعنى: «سمعنا وأخذنا بقوة». وأصحاب النوايا السيئة يتعمدون مثل هذه الأنواع من التعبير حتى يتسنى لهم التحريف. وهذا ما يسمى بالجناس. وقد ذُكر هذا في الآية 46 من سورة النساء على هذا النوع. لذا قال الله تعالى أن قولهم «سمعنا وأطعنا» كان خيرا من قولهم «سمعنا وعصينا». إن الأحسن يقابله الحسن. فقول اليهود «سمعنا وعصينا» هو كلام حسن، ولكن يحتمل أن يُقصَد به المعنى الآخر. لذا كان قولهم «سمعنا وأطعنا» أحسن لأنه لا يحتمل إلا معنى واحدا ألا وهو الطاعة. وقد بينا ما يتعلق بالموضوع في «تحريف الكتاب».
وقد جاء في التوراة ما يتعلق الموضوع:
3 فَجَاءَ مُوسَى وَبَلَّغَ الشَّعْبَ بِكُلِّ كَلامِ الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ، فَأَجَابَ الشَّعْبُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: «كُلُّ مَا أَمَرَنَا بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ». 4 فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ، ثُمَّ بَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَشَيَّدَ مَذْبَحاً عَلَى سَفْحِ الجَبَلِ، وَنَصَبَ اثْنَيْ عَشَرَ عَمُوداً عَلَى عَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 5 وَأَرْسَلَ بَعْضَ شُبَّانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَدَّمُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَرَّبُوا ذَبَائِحَ سَلامَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ الْعُجُولِ، 6 وَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ الدَّمِ وَاحْتَفَظَ بِهِ فِي طُسُوسٍ وَرَشَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى اْلمَذْبَحِ. 7 وَتَنَاوَلَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَتَلاَهُ عَلَى مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُهُ وَنُطِيعُهُ».
ونرى مما سبق أن ما ذكر في التوراة مستكمل لما ذكر في القرآن. وهذا يدل على جواز الإستفادة من الكتب المقدسة في تفسير القرآن الكريم.
أضف تعليقا