2. المدح والحمد والشكر
المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، وبغير اختياره، فقد يمُدح لطول قامته وصباحةِ وجهه، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه. والحمد أخص من المدح وأعم من الشكر، فالمدح والحمد يكون في خير فعله الإنسان ، وأما الشكر فلا يقال إلا في مقابلة نعمة. فكل شكر حمد، وليس كل حمد شكرا، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا.[1] فمعنى الحمد لله: هو الثناء على الله بمافعله. ولما لم يوجد شيء لم يخلقه الله بل هو خالق كل شيء فالمدح و الحمد لله بمعنى واحد.
و«ال» في «الحمد لله» للجنس،وهي تفيد الإستغراق؛ أي أن جميع الحمد خاص لله تعالى. فـ «الحمد» هو الثناء على أحد لفعله الخير. ولا يمكن أن تكون أفعال غير الله كلها خيرا. فالمتقن في صنعه على وجه الكمال هو الله. فمعنى «الحمد لله» هو الذي أتقن كل شيء صنعه لا غيره. ليكون المعنى أشمل وأوسع. وهو المعنى الأنسب عندنا.
«الحمد لله رب العالمين» أي أن الله_ ربنا ورب كل شيء_ استحق الحمد والثناء على الإطلاق ؛لأنه اتقن كل شي صنعه.
والنعم كلها من الله والشاكر هو المعترف بهذا ويضاده الكفر والشكر يفيد الإنسان لأن الله قال: «وَإِذْ تَأَذَّنَرَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّعَذَابِي لَشَدِيدٌ» (سورة إبراهيم، 14/ 14).
وهذه الصفة وحدها من صفات الله كافية لإعلام العباد أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن لخلقه أن يحيطوا علماً به، إذ كيف يمكن تصور علم الله للموجودات، وهذه الموجودات هي من الاتساع والكثرة، وتقلب الأحوال ما لا يمكن لعقل حدة أو معرفة مقداره، وهل يتسع عقل في السماوات والأرض أن يحيط علماً بهذا الكون الفسيح الذي لا يعلم البشر لليوم له نهاية وحدّاً… فإذا كانت عقول البشر لا تسع أن تعلم الموجود، فكيف تسع من وسع علمه كل الوجود {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير}. وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه}. وقال تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً}، وقال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} فكيف يمكن للمخلوق الصغير الضعيف أن يحيط علماً بالإله العلي الكبير الذي مثل السموات والأرض في كفه سبحانه كخردلة في كف إنسان (ولله المثل الأعلى).