ذكر الله تعالى الإحسان إلى الوالدين مقترنا بعبادته وعدم الإشراك به في مواضع عدة من كتابه تأكيدا على حقهما، كما في قوله تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (النساء، 36) وكما في قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (الانعام،151) ولا شك أن الالتزام بوصية الله تعالى في الوالدين موجب لأجر عظيم في الآخرة وإكرام جزيل في الدنيا، فضلا عن كونه ردا لبعض جميلهما.
وفيما يلي أذكر باختصار ما يترتب على بر الوالدين في الدنيا والآخرة كما ورد في القرآن والسنة:
1_ بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى؛ حيث إن اقتران الإحسان للوالدين بطاعة الله تعالى في أكثر من آية يدل عظيم ثواب البار بوالديه، ولذلك اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم من أحب الأعمال إلى الله تعالى.
فعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ “سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي”[1] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة”[2] قال أهل اللغة الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها أصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل، وقيل الرغم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه. وفيه الحث على برِّ الوالدين وبيان عظم ثوابه، ومعناه أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة، فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة وأرغم الله أنفه[3].
2- بَرُّ الوالدَيْن سبب في إجابةِ الدُّعاءِ
لا شك أن حالة الداعي من حيث الايمان والعمل لها أثرها في استجابة الدعاء، فالمؤمن الصادق الذي يخلص العمل لوجه الله الكريم دعاؤه أقرب للاستجابة، ولما كان بر الوالدين من أعظم الأعمال أجرا عند الله تعالى فلا بد أن يكون دعاء البار بوالديه أسرع إجابة، ويقرّب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم بحادثة ابتلي فيها ثلاثة نفر من المؤمنين، وكان برُّ أحدهم بوالديه سببا في استجابة دعائه وتخلصهم من محنتهم.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا فَقَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ…)[4]
4- الإحسان إلى الوالدين والقيام بواجبهما كالجهاد في سبيل الله تعالى؛ إذ ان التزام الأبوين عند كبرهما وتحسس حوائجهما قد يفوت على الابن الكثير من متع الحياة، حيث تختلف رغباتهما عن رغبات الابناء؛ مما يؤدي ببعض الابناء إلى الابتعاد عن والديهم تلمسا للراحة.
في مواطن الابتلاء تظهر النفوس المؤمنة المصغية الى أمر الله تعالى والمفترقة عن حب الذات، والمتفانية في سد الجميل، والصابرة على هفوات كبار السن. لهذا السبب وغيره شُبّه الإحسان إلى الوالدين بالجهاد بجامع ترك الملذات الخاصة في سبيل الله والوالدين.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال “أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال فهل من والديك أحد حي؟ قال نعم بل كلاهما، قال فتبتغي الأجر من الله؟ قال نعم، قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما”[5]
5_ بر الوالدين سبب في إطالة العمر وزيادة الرزق، فعن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أحب أن يمد الله في عمره ، ويزيد في رزقه ، فليبر والديه ، وليصل رحمه”[6]
[1] متفق عليه واللفظ للبخاري. صحيح البخاري، رقم الحديث 5513، صحيح مسلم، رقم الحديث 121
[2] صحيح مسلم، رقم الحديث 4627
[3] شرح النووي على مسلم، باب تقديم طاعة الوالدين على التطوع، رقم الحديث 2551
[4] صحيح البخاري، رقم الحديث 5517
[5] صحيح مسلم، رقم الحديث 4624. و صحيح البخاري، رقم الحديث 5515، واللفظ لمسلم
[6] رواه أحمد، في مسند انس بن مالك 13401 وأخرجه ابن أبي الدنيا في “مكارم الأخلاق ” (244) وأبو نعيم في “الحلية” 3/107
أضف تعليقا