الرأسمالية نظام مخالف للفطرة
الرأسمالية تعني النظام الاقتصادي المستند إلى رأس المال، ولأن صاحب رأس المال لا يرغب بالخسارة فإنه يرجح إعطاء القرض بالربا، لهذا يمكن أن تُعرف الرأسمالية بأنها النظام الاقتصادي الذي يستند إلى الدّين.
كانت النقود قديما تصنع من الذهب والفضة، لذا كان وزنهما وعيارهما مهمين، وفي هذا السياق كان يوثق بالصراف حيث يدفع له الذهب والفضة كأمانة ويؤخذ مكانها وثيقة (الصك) بذلك. وكانوا يوكلون الصراف بدفع ثمن البضاعة التي يشتريها صاحب الوثيقة[1]. يقال لمن يقوم بهذا العمل في الغرب (banker) أي المصرفي، وللوثائق التي يعطونها (banknot) أي الوثيقة البنكية. ولأنه كان يمكن تحويل هذه الوثائق البنكية إلى الذهب كان يوثق بها، هذه الثقة جعلت هذه الوثائق أهلا لتداولها كالنقود تماما.
مع مرور الوقت بدأ الاعتماد على الوثائق يزداد، حتى بدا الطلب عليها أكثر من الذهب، وهذا دفع الصرافيين إلى الدفع بتلك الوثائق إلى السوق بدون أن يكون لها مقابل من الذهب، وأصبحت كالنقد الحقيقي يأخذون الربا عند إقراضها[2].
ثقة الناس بالدولة أكثر من ثقتهم بالصرافيين أدى أن يتحرك الإنجليز نحو تأسيس بنك مركزي عام 1694 م حيث قاموا بطبع الجنيه الإسترليني مقابل الذهب، وقد لقي الإسترليني قبولا عالميا مما أدى إلى أن تقود بريطانيا الاقتصاد العالمي.
مع مرور الزمن اهتزت سطلة الإسترليني، ففي عام 1944م عقدت اتفاقيات بريتون وودز (BrettonWoods) التي اعتبر الدولار بموجبها العملة الوحيدة التي يمكن تحويلها إلى الذهب، وبهذا حل الدولار محل الإسترليني. بعد مدة قليلة فسد الاقتصاد الأمريكي أيضا. عندما بدأت أمريكا بشراء البضائع من دول العالم المختفلة أكثر مما تصدر إليها أدى إلى تكدس الدولار في العالم، وبسبب ازدياد عدد من يستبدلون الدولار بالذهب انخفض الاحتياطي الأمريكي من الذهب، وهذا دفع الرئيس نيكسون إلى إنهاء إمكانية تحويل الدولار إلى الذهب عام 1971م [3]، وهكذا لم يبق النقد الورقي المغطى بالذهب. اليوم قيمة الدولار أو اليورو أو غيرهما من النقود الأخرى ليست أكثر من قيمة المادة الورقية التي صنعت منها.
في الحقيقة بالرغم من انعدام القيمة الحقيقية للدولار إلا أن البنوك المركزية في كافة الدول تعتمده في الاحتياط كأنه ذهب، وتستمر في إصدار عملتها المحلية بناء على احتياطاتها منه. والبنوك المحلية بدورها تقوم بانتاج النقود الخيالية وإقراضها بالربا كذلك، فعلى سبيل المثال وبحسب المعلومات الموجودة على مواقع الإنترنت فإن البنك المركزي في الجمهورية التركية ومؤسسة التفتيش والتنظيم البنكية BDDK قد بيَّنا إنه اعتبارا من تاريخ 5 شباط كان مقدار النقود المعدنية والورقية قد بلغ 104 مليار ليرة تركية في التداول. واعتبارا من 8 شباط 2016 بلغ مجموع القروض في قطاع البنوك 1.513.877.000.000 (ترليون و513 مليار و877 مليون) ليرة تركية، وهذا يعني أنه قد تم الإقراض بما يزيد عن النقود الموجودة بأربعة عشر ضعفا. والموجود حقيقة في خزائن البنوك هو 10.5 مليار دولار من أصل 104 مليار، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الباقي في أيدي الأشخاص والمؤسسات فهذا يعني بأن النقود التي في خزائن البنوك تساوي 144 ضعفا من النقود الخيالية التي ابتدعوها، وسيكتشف أنهم يعطون هذه النقود الخيالية المنتجة بالقروض الربوية.
في هذا التاريخ كان سعر الفائدة من 12-13 % تقريبا، وعلى اعتبار 12% فإن مقدار الربا السنوي يبلغ 181.7، وعلى اعتباره 13% فيكون المقدار السنوي 196.8، وهذا يعني أن البنوك تحصل على الربا بما يزيد عما في خزائنها بثمانية عشر ضعفا، وإذا أضيف الربا المأخوذ بسبب تأخير السداد فإن المبلغ الربوي الكلي سيزداد أيضا، وإذا فكرنا فيمن لم يدفع ديونه بسبب عجزه وما يترتب عليه من حجز أمواله ووضع يد البنك عليها يمكننا معرفة حجم الاستغلال الذي تمارسه البنوك.
الربا المدفوع لأنه يضاف إلى سعر التكلفة فهذا يؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات، ويدخل الناس حينئذ في ظروف حرجة، ويفقد متوسطو الحال من التجار زبائنهم، وتبعا لذلك تتأثر الأسواق الكبرى سلبا، والحاجة المتجددة للمال التي تقابل بالقروض الربوية تجعل المجتمعات وحتى الدول عبيدا لأصحاب رؤوس الأموال.
في هذا النظام، فإن أصحاب رؤوس الأموال بالرغم من تحكمهم بالاقتصاد إلا أنهم أصحاب قوة مزيفة، لأن القوة التي في أيديهم هي بالون مليء بالهواء، إذا انفجر هذا البالون فإن ما بين أيديهم من النقد لا يساوي أكثر من المادة الورقية المصنوعة منها. وعلى سبيل المثال لو أن أمريكا تعلن إلغاء الدولار فإن المترفين من أصحاب المليارات سيجدون أنفسهم بحاجة لخمسة قروش تسد رمقهم.
وكما يُرى فإن النظام الربوي قد أحال الدنيا إلى مكان محترق والمتعاطين به كالمبتلين بتعاطي المخدرات.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (النِّظام الاقتصادي الموافق للفطرة) على الرابط التَّالي http://www.hablullah.com/?p=2926
أضف تعليقا