السؤال: السلام عليكم. نحن نعيش في كندا، وولدت ابنتي من اثنين وعشرين عاما في كندا، وانشغلت أنا وزوجي بالعمل وتحصيل الرزق. العام الماضي تبيَّن لي أن ابنتي مدمنة مخدِّرات، وقد حبستُها في المنزل شهرين، وبعد ذلك نزلت بها إلى مصر لمدَّة ثلاثة أشهر. ولما رجعنا إلى كندا رجعَت ثانيةً للمخدِّرات. وأخيرا تركَت المنزلَ، ولسنا قادرين على تغيير سلوكها. فكيف نتصرف؟ أكاد أن أُجنّ فهي مصمِّمة على تدمير نفسها. حاولنا بشتَّى الطُّرق لكنَّها تترك المخدِّرات شهرا وترجع ثانية. ماذا أفعل؟ هل أقتلها وأدخل السجن؟ أم أتركها تفعل ما تريد؟ لا أستطيع النَّوم، أفيدوني.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله:
أختي الكريمة: بالتأكيد إنَّ الغفلة عن تربية الأبناء تورث مشاكل كبيرة، لكنَّ التَّنبُّه للمشكلة _ولو متأخَّرا_ خيرٌ من استمرار الغفلة عنها. إنَّ حلَّ مشاكل الأبناء يقع على عاتق ذويهم، لكنَّ الحلَّ لا يكون بارتكاب جريمة خطيرة يخسر الإنسانُ بسببها الدُّنيا والآخرة.
واعلمي أنَّ ما تواجهونه هو ابتلاءٌ يلزمه التَّحلي بالصَّبر في التَّعامل مع ابنتكم مع دوام النَّصيحة لها وتذكيرها بما ينفعها في الدُّنيا والآخرة، فليس لكم عليها سوى النُّصح والإرشاد والتَّوجيه، ويكون ذلك بالحسنى والتَّحنُّن عليها وليس بالقسوة والعنف. فالقسوةُ عليها بحبسها في البيت أو تعنيفها بالقول يزيد في المشكلة ولا يحلُّها، وإياكم والتَّفكير بإيذائها بالقتل أو ما دونه، فهذا من وحي الشَّيطان ليوقعكم في الخسران المبين، كما فعل لمَّا سوَّل لابن آدم قتل أخيه: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة، 30)
ولنا في نبيِّ الله نوح أسوةٌ حسنة، فقد كان ابنُه كافرا (وليس بعد الكفر ذنب)، إلَّا أنَّه لم يترك النُّصح له يوما، حتَّى إنِّه لم ينسه في أشدِّ اللحظات حرجا، فقد ناده لينجو معه في السَّفينة التي يتلاطمها موج الطوفان:
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} (هود، 42)
فلا تنسوها من خالص الدُّعاء بالهداية والتَّوفيق، فإنَّ الله تعالى وعد بالاستجابة لمن أخلص له الدُّعاء، ودعانا إلى عدم اليأس من رحمته سبحانه، كما جاء في قوله تعالى بلسان يعقوب عليه السلام: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف، 87)
وإذا كان الانتقال إلى مصر يساهم في حلِّ مشكلتها فلا تتردَّدوا في ذلك، فربَّما يكون للبيئة المحيطة دورٌ فيما آلت إليه، فتغيير البيئة قد يكون له أثرٌ طيِّب. كما أنَّ هناك مراكز خاصَّة في كل البلدان تُعنى بالمدمنين على المخدِّرات ولديهم وسائل كثيرة لمساعدتهم على تركها، فننصح بالتَّواصل مع أحد هذه المراكز لعل فيها الحلّ بإذن الله تعالى.
وأخيرا أقول أنَّكِ لا تؤاخذين بذنب ابنتك، وإن استمرت على حالها فالإثم يلحقها ولا يلحقكم. نسأل الله تعالى لابنتكم الهداية ولكم العون والتَّوفيق.
أضف تعليقا